مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ
عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ
عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فََٔامِنُواْ بِٱللَّهِ
وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ
إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش
[سورة آل عمران (3) : آية 179]
ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
اللغة:
(يذر) و (يدع) فعلان مضارعان أمات العرب ماضيهما فلم يأت منهما إلا المضارع والأمر ومعناهما الترك وقال علماء العربية:
أن كلمتي ذر ودع في معنى الترك إلا أن دع أمر للمخاطب بترك الشيء قبل العلم به وذر أمر له بتركه بعد ما علمه، روي أن بعض الأئمة سأل الامام الرازي عن قوله تعالى: «أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين» لم لم يقل وتدعون أحسن الخالقين وهو أقرب من الفصاحة للمجانسة بينهما فقال الامام: لأنهم اتخذوا الأصنام آلهة وتركوا الله بعد ما علموا أن الله ربهم وربّ آبائهم الأولين، استكبارا فلذلك قيل لهم: وتذرون ولم يقل وتدعون، هذا وقد ورد في الحديث الشريف مصدر يدع قال: «لتنهين أقوام من ودعهم الجمعات» أي عن تركها.
(يَمِيزَ) مضارع ماز أي عزل هذا عن ذاك.
(يَجْتَبِي) يختار ويصطفي.
الإعراب:
(ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ) كلام مستأنف لبيان أن الله سبحانه عالم بكل شيء وهو لا يترك عباده على ما هم عليه من اختلاط في الأمر والتباس فيما يعانونه من شئون، وما نافية وكان فعل ماض ناقص والله اسمها وليذر اللام لام الجحود وهي المسبوقة بكون منفي وقد تقدّم ذكرها ويذر فعل مضارع منصوب بأن مقدرة وجوبا بعد لام الجحود الجارة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر كان والتقدير لم يكن الله مريدا تركهم على حالة من الاختلاط والالتباس، والمؤمنين مفعول به (عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) والجار والمجرور متعلقان بيذر وأنتم مبتدأ وعليه خبره وجملة أنتم عليه صلة ما الموصولية (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) حتى حرف غاية وجر ويميز فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف أي مريدا تركهم والخبيث مفعول به ومن الطيب جار ومجرور متعلقان بيميز (وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) تقدم اعرابها (وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ) الواو عاطفة ولكن حرف مشبه بالفعل بمعنى الاستدراك والله اسمها وجملة يجتبي خبرها ومن رسله جار ومجرور متعلقان بيجتبي ومن اسم موصول مفعول به وجملة يشاء صلة الموصول (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) الفاء الفصيحة وآمنوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل وبالله جار ومجرور متعلقان بآمنوا ورسله معطوف على الله والجملة لا محل لها لانها جواب شرط غير جازم وهو الذي
وقعت الفاء في جوابه (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) الواو استئنافية وإن شرطية وتؤمنوا فعل الشرط وتتقوا عطف على تؤمنوا، فلكم الفاء رابطة لجواب الشرط ولكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وأجر مبتدأ مؤخر وعظيم صفة والجملة في محل جزم جواب الشرط.
التبيان في إعراب القرآن
قَالَ تَعَالَى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ) : خَبَرُ كَانَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مَا كَانَ اللَّهُ مُرِيدًا لِأَنْ يَذَرَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ لِيَذَرَ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ اللَّامِ يَنْتَصِبُ بِأَنْ، فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَتْرُكَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَخَبَرُ كَانَ هُوَ اسْمُهَا فِي الْمَعْنَى، وَلَيْسَ التَّرْكُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: اللَّامُ زَائِدَةٌ، وَالْخَبَرُ هُوَ الْفِعْلُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا قَدِ انْتَصَبَ فَإِنْ كَانَ النَّصْبُ بِاللَّامِ نَفْسِهَا فَلَيْسَتْ زَائِدَةً، وَإِنْ كَانَ النَّصْبُ بِأَنْ فَسَدَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَصْلُ يَذَرُ يَوْذَرُ، فَحُذِفَتِ الْوَاوُ تَشْبِيهًا لَهَا بِيَدَعُ ; لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، وَلَيْسَ لِحَذْفِ الْوَاوِ فِي يَذَرُ عِلَّةٌ إِذْ لَمْ تَقَعْ بَيْنَ يَاءٍ وَكَسْرَةٍ، وَلَا مَا هُوَ فِي تَقْدِيرِ الْكَسْرَةِ، بِخِلَافِ يَدَعُ فَإِنَّ الْأَصْلَ يَوْدَعُ فَحُذِفَتِ الْوَاوُ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ الْيَاءِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِي تَقْدِيرِ الْكَسْرَةِ ; إِذِ الْأَصْلُ يَوْدِعُ مِثْلُ يَوْعِدُ، وَإِنَّمَا فُتِحَتِ الدَّالُ مِنْ يَدَعُ ; لِأَنَّ لَامَهُ حَرْفٌ حَلْقِيٌّ فَيُفْتَحُ لَهُ مَا قَبْلَهُ، وَمِثْلُهُ يَسَعُ وَيَطَأُ، وَيَقَعُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ مِنْ يَذَرُ مَاضِيًا اكْتِفَاءً بِتَرَكَ. (يَمِيزَ) : يُقْرَأُ بِسُكُونِ الْيَاءِ، وَمَاضِيهِ مَازَ وَبِتَشْدِيدِهَا، وَمَاضِيهِ مَيَّزَ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَيْسَ التَّشْدِيدُ لِتَعَدِّي الْفِعْلِ مِثْلُ فَرِحَ وَفَرَّحْتُهُ ; لِأَنَّ مَازَ وَمَيَّزَ يَتَعَدَّيَانِ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ.
الجدول في إعراب القرآن
[سورة آل عمران (3) : آية 179]
ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
الإعراب:
(ما) نافية (كان) فعل ماض ناقص (الله) لفظ الجلالة اسم كان مرفوع (اللام) لام الجحود أو الإنكار (يذر) مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد لام الجحود، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (المؤمنين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء.
والمصدر المؤوّل (أن يذر ... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بخبر كان المحذوف أي ما كان الله مريدا لأن يذر المؤمنين.
(على) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (يذر) ، (أنتم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (عليه) حرف جرّ وضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ (حتّى) حرف غاية وجرّ (يميز) مضارع منصوب ب (أن) مضمرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الخبيث) مفعول به منصوب (من الطيّب) جارّ ومجرور متعلّق ب (يميز) .
والمصدر المؤوّل (أن يميز ... ) في محلّ جرّ ب (حتّى) متعلّق ب (يذر) .
(الواو) عاطفة (ما كان الله ليطلع) مثل ما كان الله ليذر و (كم) ضمير مفعول به (على الغيب) جارّ ومجرور متعلّق ب (يطلع) ، (الواو) عاطفة (لكنّ) حرف مشبّه بالفعل للاستدراك (الله) لفظ الجلالة اسم لكنّ منصوب (يجتبي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من رسل) جارّ ومجرور متعلّق
ب (يجتبي) ، و (الهاء) ضمير مضاف إليه (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (يشاء) مضارع مرفوع والفاعل هو (الفاء) رابطة لجواب الشرط (آمنوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (بالله) جارّ ومجرور متعلّق ب (آمنوا) ، (الواو) عاطفة (رسل) معطوف على لفظ الجلالة مجرور مثله و (الهاء) ضمير مضاف إليه (الواو) استئنافيّة (إن) حرف شرط جازم (تؤمنوا) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون ... والواو فاعل (الواو) عاطفة (تتّقوا) مضارع مجزوم معطوف على فعل تؤمنوا.. والواو فاعل (الفاء) رابطة لجواب الشرط (اللام) حرف جرّ و (كم) ضمير مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم (أجر) مبتدأ مرفوع (عظيم) نعت لأجرّ مرفوع مثله.
جملة: «ما كان الله ليذر ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يذر ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي (أن) .
وجملة: «أنتم عليه» لا محلّ لها صلة الموصول (ما) .
وجملة: «يميز ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) .
وجملة: «ما كان الله ليطلعكم» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «يطلعكم ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) .
وجملة: «لكنّ الله ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة ما كان..
الثانية.
وجملة: «يجتبي ... » لا محلّ لها خبر لكن.
وجملة: «يشاء ... » لا محلّ لها صلة الموصول (من) .
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم مقدّر أي إذا جاءكم المجتبى من «الله فآمنوا به.
وجملة: «تؤمنوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «تتّقوا» لا محلّ لها معطوفة على جملة تؤمنوا.
وجملة: «لكم أجر» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
الفوائد
قوله تعالى: «حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ» .
ينصب الفعل المضارع ب «أن» مضمرة وجوبا بعد «حتى» التي هي حتى الجارة، وهي بمعنى (إلى أو لام التعليل) نحو «قالُوا: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى» وقول القائل: «أطع الله حتى تفوز برضاه» وقد تكون بمعنى «إلّا» كقول الشاعر:
ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتى تجود وما لديك قليل
وتشترط في نصب الفعل بعدها بأن مضمرة أن يكون مستقبلا إما بالنسبة إلى كلام المتكلم، وإما بالنسبة إلى ما قبلها.
فإن أريد بالفعل معنى الحال فلا تقدّر «أن» بل يرفع الفعل بعدها قطعا نحو «مرض فلان حتى ما يرجونه» وتكون حتى في هذه الحالة حرف ابتداء وما بعدها مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم وهي حرف تبدأ به الجمل.
وعلامة كون الفعل للحال أن يصلح وضع الفاء في موضع «حتى» كقولك «مرض فلان فلا يرجونه» .
النحاس
{مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [179]
لام النفي وأنْ مضمرة إِلاّ أنها لا تظهر. ومن أحسن ما قيل في الآية أن المعنى ما كان الله لِيذرَ المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمنين بالمنافقين حتى يُميّزَ بينَهما بالمحنة والتكليفِ فتعرفوا المؤمنَ من المنافق والخبيث المنافق والطيب المؤمن. وقيل: المعنى ما كان الله لِيذرَ المؤمنين على ما أنتُم عليه من الإِقرار فقط حتى يفرض عليهم الفرائض، وقيل: هذا خطاب للمنافقين خاصة أي ما كان الله لِيَذَرَ المؤمنين على ما أنتم عليه من عداوةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم. {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْبِ} أي ما كان ليعين لكم المنافقين حَتّى تعرفوهم ولكن يُظْهِرُ ذلك بالتكليف والمحنة وقيل: ما كان الله لِيُعْلِمكُم ما يكون منهم {وَلَكِنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ} فيطلعه على ما يشاء من ذلك.
قرأ أهل المدينة وأكثر القراء:
{وَلاَ يَحْسَبَنَّ} [178، 180]
بالياء في الموضعين جميعاً وقرأ حمزة بالتاء فيهما، وزعم أبو حاتم: أنه لحن لا يجوز وتابَعَهُ على ذلك جماعة، وقرأ يحيى بن وثاب {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ} بكسر "إِن" فيهما جميعاً. قال أبو حاتم: وسمعت الأخفش يذكر كسر "إن" يحتجّ به لأهل القَدَرِ لأنه كان منهم ويجعله على التقديم والتأخير أي ولا يحسبنّ الذين كفروا إنما نُملِي لهم ليزدادوا إِثما إِنما نملي لهم خير لأنفسهم. قال: ورأيت في مصحفٍ في المسجد الجامع قد زادوا فيه حَرفاً فصار: إنّما نُملي لهم ليزدادوا إِيماناً، فنظر إليه يعقوب القارئ فَتَبَيّن اللحق فَحَكّهُ. قال أبو جعفر: التقدير على قراءة نافع أنّ "أنّ" تنوب عن المفعولين، وأما قراءة حمزة فزعم الكسائي والفراء أنّها جائزة على التكرير أي ولا تَحسبنّ الذين كفروا لا تَحْسَبنّ إنما نُملِي لهم. قال أبو اسحاق: "أنّ" بدل من الذين أي ولا يحسبن أنما نملي لهم خير لأنفسهم أي إِملاءنا للذين كفروا خيراً لأنفسهم كما قال:
فما كانَ قيسٌ هلكُهُ هُلكُ واحدٍ * وَلكِنّهُ بنيانُ قومٍ تَهَدّمَا
قال أبو جعفر: قراءة يحيى بن وثاب بكسر إِن فيهما جميعاً حسنة كما تقول: حسبت عمراً أبوه خارج. فأما {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ} [آية 180] على قراءة نافع فالذين في موضع رفع والمفعول الأول محذوف. قال الخليل وسيبويه والكسائي والفراء والمعنى البخل هو خيراً لهم "وهو" زائدة، عماد عند الكوفيين وفاصلة عند البصريين ومثل هذا المضمر قول الشاعر:
إذا نُهِيَ السفِيهُ جَرَى إِليهِ * وخَالفَ والسفيهُ إِلى خِلافِ
لمّا أن قال السفيه دلّ على السفل فأضمره ولما قال جل وعز: يَبْخَلُونَ دلّ على البخل ونظيره قول العرب: "من كذبَ كانَ شراً له" فأما قراءة حمزة {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ} فبعيدة جداً وجوازها أن يكون التقدير: ولا تحسبنّ الذين يبخلون مِثلَ {وسْئَل القرية} ويجوز في العربية "وهُوَ خَيْرٌ لَّهُمْ" ابتداء وخبر {بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} ابتداء وخبر وكذا {وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ} وكذا {وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، البُخْلُ والبَخَلُ في اللغة أن يمنع الانسان الحق الواجب عليه فأما مَنْ منع ما لا يجب عليه فليس ببخيل لأنه لا يُذَمّ بذلك وأهل الحجاز يقولون: يَبخُلُونَ وقد بخلُوا. وسائر العرب يقولون: بَخِلوا يَبخَلُون وبعض بني عامر يقولون: يَجْدَبِي أي يَجتَبِي فيبدلون من التاء دالاً إذا كان قَبلَها جيم ويقولونَ يَجْدَلدونَ [أي يَجْتَلِدُونَ].
دعاس
ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
«ما كانَ اللَّهُ» ما نافية كان ولفظ الجلالة اسمها «لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ» مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام الجحود المسبوقة بنفي والمصدر المؤول في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مريدا
تركهم «الْمُؤْمِنِينَ» مفعول به «عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ» ما اسم موصول في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور متعلقان بيذر «أَنْتُمْ» مبتدأ «عَلَيْهِ» متعلقان بمحذوف خبر والجملة الاسمية صلة الموصول «حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ» حتى حرف غاية وجر والمصدر المؤول من أن المضمرة بعد حتى والفعل يميز في محل جر بحتى ، والجار والمجرور متعلقان بيذر «مِنَ الطَّيِّبِ» متعلقان بيميز «وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ» عطف على «ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ ...» وهي مثلها في إعرابها «وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي» لكن ولفظ الجلالة اسمها وجملة يجتبي خبرها وجملة «وَلكِنَّ ...» معطوفة «مِنْ رُسُلِهِ» متعلقان بحتى «مَنْ يَشاءُ» اسم موصول مفعول به وجملة يشاء صلة الموصول. «فَآمِنُوا بِاللَّهِ» الفاء هي الفصيحة وفعل أمر والواو فاعله ولفظ الجلالة وحرف الجر متعلقان بالفعل والجملة جواب شرط غير جازم «وَرُسُلِهِ» عطف على الله «وَإِنْ تُؤْمِنُوا» الواو استئنافية إن شرطية تؤمنوا فعل الشرط مجزوم بحذف النون والواو فاعل «وَتَتَّقُوا» عطف «فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ» الجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط. الفاء رابطة للجواب والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف وأجر مبتدأ وعظيم صفة.
مشكل إعراب القرآن للخراط
{ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ }
"ما كان الله ليذر": اللام للجحود، والفعل منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد لام الجحود، والمصدر المؤول مجرور باللام متعلق بخبر كان المقدر "مريداً".