فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ

إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش

[سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 170]
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)

الإعراب:
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً) كلام مستأنف مسوق لاخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأمته بمصائر الشهداء ولئن كان الكلام خاصا بشهداء أحد فلا ينتفي عنه العموم وقد سبق القول في شهداء بدر وما نزل فيهم وهو قوله تعالى «ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله» الآية والواو استئنافية ولا ناهية وتحسبنّ فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة وهو في محل جزم بلا الناهية وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت والذين اسم موصول مفعول به أول وأمواتا مفعول به ثان (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) بل حرف عطف يعطف جملة على جملة وأحياء خبر لمبتدأ محذوف أي هم أحياء وليست بل التي تعطف مفردا على مفرد لأن المعنى يختل إذ يصير لا تحسبنهم أحياء بل الغرض الإعلام بحياتهم ترغيبا في الجهاد وحثّا عليه وعند ربهم ظرف متعلق بيرزقون ويجوز أن تعلقه بمحذوف خبر ثان ويجوز أن تعلقه بمحذوف صفة وهذه الوجوه متساوية الرجحان وجملة يرزقون في محل رفع خبر ثالث أو ثان (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) فرحين حال من الضمير في يرزقون وبما جار ومجرور متعلقان بفرحين وجملة آتاهم الله صلة ما الموصولية ومن فضله جار ومجرور متعلقان بآتاهم ولك أن تعتبر من تبضيعية فتعلقها مع مجرورها بمحذوف حال (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) الجملة معطوفة على فرحين من جهة المعنى فهي حال لأن الصفة المشبهة تشبه المضارع وبالذين جار ومجرور متعلقان بيستبشرون وجملة لم يلحقوا بهم صلة الذين ومن خلفهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الواو في لم يلحقوا (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن المحذوف والمصدر المؤول من ان وما في حيزها منصوب بنزع الخافض أي بأن لا خوف عليهم والجار والمجرور متعلقان بمحذوف بدل اشتمال من الذين أي ويستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوهم خلفهم أحياء في الدنيا من المؤمنين ولا يخفى ما في هذا الاستبشار من إلهاب للرغبة في الجهاد ولا نافية للجنس مهملة وخوف مبتدأ وعليهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ولا هم يحزنون عطف عليه وقد تقدم اعراب نظائره فلذلك اجتزأنا بما تقدم.

البلاغة:
1- الطباق بين أموات وأحياء وهي مطابقة بلغت الغاية في تصوير شهداء معركة أحد والشهداء الذين يستشهدون في معمعان الجهاد وقد خولف الإعراب بين المتعاطفين في الظاهر للدلالة على أنّ الموت أمر طارئ يعقبه الهمود والاندثار وعدم تجدد الذكر أما الرفع وجعله جملة اسمية فهو أبلغ في الدلالة على الديمومة وطروء الذكر وتجدده كل يوم وقد وردت أحاديث تجسد الموقف البديع. 2- مراعاة النظير وهو فن بديع جميل تفنن علماء البلاغة في تسميته فسماه بعضهم التناسب والتوفيق وسماه آخرون الائتلاف والمؤاخاة وحده أن يجمع الناظم والناثر بين أمر وما يناسبه سواء أكانت المناسبة لفظا أم معنى فقد ناسب سبحانه بين فرحين ويستبشرون وبين عدم الخوف وعدم الحزن وبين النعمة والفضل.

التبيان في إعراب القرآن

قَالَ تَعَالَى: (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَرِحِينَ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُرْزَقُونَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِأَحْيَاءٌ ; إِذَا نُصِبَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْمَدْحِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الضَّمِيرِ فِي أَحْيَاءٌ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ. (مِنْ فَضْلِهِ) : حَالٌ مِنَ الْعَائِدِ الْمَحْذُوفِ فِي الظَّرْفِ ; تَقْدِيرُهُ: بِمَا آتَاهُمُوهُ كَائِنًا مِنْ فَضْلِهِ. وَ (يَسْتَبْشِرُونَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى فَرِحِينَ ; لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ هُنَا يُشْبِهُ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي فَرِحِينَ، أَوْ مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي آتَاهُمْ. (مِنْ خَلْفِهِمْ) : مُتَعَلِّقٌ بِيَلْحَقُوا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا تَقْدِيرُهُ: مُتَخَلِّفِينَ عَنْهُمْ. (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) : أَيْ بِأَنْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، فَأَنْ مَصْدَرِيَّةٌ، وَمَوْضِعُ الْجُمْلَةِ بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ ; أَيْ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِسَلَامَةِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: لِأَنَّهُمْ لَا خَوْفَ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ.

الجدول في إعراب القرآن

[سورة آل عمران (3) : آية 170]
فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)
الإعراب:
(فرحين) حال منصوبة من الضمير في (يرزقون) ، أو في أحياء في الآية السابقة (الباء) حرف جرّ و (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بفرحين (آتى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف و (هم) ضمير مفعول به (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (من فضل) جارّ ومجرور متعلّق ب (آتاهم) ، (الواو) حاليّة ،
(2) أو بمحذوف حال من العائد المقدّر أي بما آتاهموه حاصلا من فضله.
(3) أجاز العكبري أن تكون عاطفة عطفت جملة يستبشرون على كلمة فرحين لأن الصفة المشتقّة تشبه المضارع أي فرحين بمنزلة يفرحون. (يستبشرون) مضارع مرفوع ... والواو فاعل (الباء) مثل الأول (الذين) في محلّ جرّ متعلّق ب (يستبشرون) ، (لم) حرف نفي وقلب وجزم (يلحقوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون والواو فاعل (الباء) مثل الأول و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يلحقوا) ، (من خلف) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الفاعل في (يلحقوا) أي كائنين من خلفهم أو باقين من خلفهم و (هم) ضمير مضاف إليه (أن) مخفّفة من الثقيلة والاسم ضمير الشأن محذوف (لا) نافية مهملة- أو عاملة عمل ليس- (خوف) مبتدأ مرفوع ، (عليهم) مثل بهم متعلّق بمحذوف خبر (الواو) عاطفة (لا) زائدة لتأكيد النفي (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (يحزنون) مضارع مرفوع ... والواو فاعل.
جملة: آتاهم الله ... لا محلّ لها صلة الموصول (ما) .
وجملة: يستبشرون ... في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم .
وجملة: «لم يلحقوا بهم» لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) .
وجملة: «لا خوف عليهم» في محلّ رفع خبر (أن) المخفّفة.
والمصدر المؤول أن (هـ) .. في محلّ جرّ بحرف جرّ محذوف أي بأن لا خوف ... ، والجارّ والمجرور متعلّق بما تعلّق به الجارّ (بالذين) .. أو أن المصدر المؤوّل في محلّ جرّ بدل اشتمال من الموصول (الذين) . أو هو اسم لا العاملة عمل ليس..
(2) والجملة الاسميّة في محلّ نصب حال من ضمير فرحين.. وقدّر المبتدأ (هم) لأن واو الحال لا تباشر المضارع المثبت. وجملة: «هم يحزنون» في محلّ رفع معطوفة على جملة لا خوف عليهم.
وجملة: «يحزنون» في محلّ رفع خبر المبتدأ (هم) .
الصرف:
(فرحين) ، جمع فرح وهو صفة مشبّهة مشتقّة من فرح يفرح الباب الرابع، وزنه فعل بفتح فكسر.
البلاغة
- مراعاة النظير وهو فن بديع جميل ورائع، ولقد سماه بعضهم التناسب والتوفيق، وحده أن يجمع الناظم والناثر بين امر وما يناسبه، سواء أكانت المناسبة لفظا أم معنى فقد ناسب سبحانه بين فرحين ويستبشرون، وبين عدم الخوف وعدم الحزن، وبين النعمة والفضل.

النحاس

{فَرِحِينَ..} [170] نصب على الحال ويجوز في غير القرآن رفعه يكون نعتاً لأحياء. {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ} قيل: لم يلحقوا بهم في الفضل وقيل: هم في الدنيا. {أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} بدل من "الذين" وهو بدل الاشتمال ويجوز أن يكون المعنى بأن لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون.

دعاس

فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)
«فَرِحِينَ» حال منصوبة بالياء «بِما آتاهُمُ اللَّهُ» الجار والمجرور متعلقان بفرحين والجملة صلة الموصول ولفظ الجلالة فاعل «مِنْ فَضْلِهِ» متعلقان بآتاهم «وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ» فعل مضارع تعلق به الجار والمجرور والواو فاعله «لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ» مضارع مجزوم بلم والواو فاعله والجملة صلة الموصول «مِنْ خَلْفِهِمْ» متعلقان بمحذوف حال من فاعل يلحقوا «أَلَّا خَوْفٌ» أن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف لا خوف لا نافية خوف مبتدأ «عَلَيْهِمْ» متعلقان بمحذوف خبر «وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» الواو عاطفة وما بعدها معطوف وأن واسمها وخبرها في تأويل مصدر في محل جر بحرف الجر والجار والمجرور بدل من الذين.

مشكل إعراب القرآن للخراط

{ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } قوله "فرحين بما آتاهم": حال من الضمير في { يُرْزَقُونَ } ، والجار والمجرور متعلق بـ "فرحين". قوله "ألا خوف": "أن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. و "لا" نافية تعمل عمل ليس، والجار والمجرور "عليهم" متعلقان بخبر "لا"، والمصدر المؤول بدل اشتمال من "الذين لم يلحقوا" أي: يستبشرون بعدم خوفهم، وجملة "ولا هم يحزنون" معطوفة على جملة "لا خوف عليهم" في محل رفع.