إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ ٱلۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ
ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ
وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ
إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش
[سورة آل عمران (3) : الآيات 139 الى 141]
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (141)
اللغة:
(تَهِنُوا) تضعفوا، وأصله توهنوا، فحذفت الواو لوقوعها بين
ياء وكسرة في الأصل. لأن الفعل وهن بالفتح في الماضي وبالكسر في المضارع.
(القرح) : بفتح القاف وتضم أيضا، وقيل: هو بالفتح الجراح وبالضم ألمها، وقد قرىء بهما.
(نُداوِلُها) نصرفها بين الناس نديل تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء، ودالت له الدول، ودالت الأيام، وأدال الله بني فلان من عدوهم جعل الكرة لهم عليه.
قال أبو البقاء الرندي يرثي الأندلس:
هي الأمور كما شاهدتها دول ... من سره زمن ساءته أزمان
(التمحيص) التصفية والتطهير. (يَمْحَقَ) يهلك.
الإعراب:
(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) الواو عاطفة والكلام معطوف على المفهوم من قوله: فسيروا، ولا ناهية وتهنوا فعل مضارع مجزوم بلا ولا تحزنوا عطف أيضا وأنتم الواو حالية وأنتم ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ والأعلون خبره مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة نصب على الحال (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إن شرطية وكان فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها ومؤمنين خبرها وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي فلا تهنوا وجملة الشرط استئنافية (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) كلام مستأنف مسوق لتسلية المؤمنين أيضا، وإن شرطية ويمسسكم فعل الشرط والكاف مفعول به وقرح فاعل يمسسكم وجواب الشرط محذوف أي
فتأسوا وتسلوا. ومن أعرب فقد مس القوم هو الجواب غلط لأن الماضي معنى لا يكون جوابا، والتعليق لا يكون إلا في المستقبل.
فقد الفاء عاطفة وقد حرف تحقيق ومس القوم عطف على الجواب المحذوف ومس فعل ماض والقوم مفعول به مقدم وقرح فاعل مؤخر ومثله نعت. لقرح (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) الواو استئنافية واسم الإشارة مبتدأ والأيام بدل منه وجملة نداولها خبر والهاء مفعول به وبين الناس ظرف مكان متعلق بنداولها. ويجوز إعراب الأيام خبرا لاسم الإشارة وجملة نداولها حالية والعامل فيها معنى اسم الإشارة أي يشير إليها حالة كونها مداولة (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) الواو عاطفة على المعلل المحذوف، والتقدير فعلنا ذلك ليتعظوا، وليعلم اللام للتعليل ويعلم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة والله فاعل والذين اسم موصول مفعول به وآمنوا فعل ماض مبني على الضم والجملة صلة (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) الواو عاطفة ويتخذ فعل مضارع معطوف على يعلم ومنكم جار ومجرور متعلقان بيتخذ أو بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لشهداء وشهداء مفعول به (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الواو اعتراضية والجملة معترضة بين هذه العلل المتعاقبة والله مبتدأ وجملة لا يحب الظالمين خبر (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) الجملة معطوفة على العلل المتقدمة والله فاعل والذين اسم موصول مفعول به وجملة آمنوا صلة (وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) عطف على ما سبق من العلل.
التبيان في إعراب القرآن
قَالَ تَعَالَى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَرْحٌ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَهُوَ مَصْدَرُ قَرَحْتُهُ إِذَا جَرَحْتُهُ، وَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْجُرْحِ أَيْضًا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: بِالضَّمِّ: أَلَمُ الْجِرَاحِ. وَيُقْرَأُ بِضَمِّهِمَا عَلَى الْإِتْبَاعِ كَالْيُسْرِ وَالْيُسُرِ، وَالطُّنْبِ وَالطُّنُبِ، وَيُقْرَأُ بِفَتْحِهَا، وَهُوَ مَصْدَرُ قَرُحَ يَقْرَحُ إِذَا صَارَ لَهُ قُرْحَةً، وَهُوَ بِمَعْنَى دَمِيَ. (وَتِلْكَ) : مُبْتَدَأٌ، وَ (الْأَيَّامُ) : خَبَرُهُ، وَ (نُدَاوِلُهَا) : جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَى الْإِشَارَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَيَّامُ بَدَلًا، أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ، وَنُدَاوِلُهَا الْخَبَرُ، وَيُقْرَأُ يُدَاوِلُهَا بِالْيَاءِ، وَالْمَعْنَى مَفْهُومٌ.
وَ (بَيْنَ النَّاسِ) : ظَرْفٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْهَاءِ. (وَلِيَعْلَمَ) : اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ; تَقْدِيرُهُ: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ دَوَالَهَا. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: لِيَتَّعِظُوا وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ. وَقِيلَ: الْوَاوُ زَائِدَةٌ. وَ (مِنْكُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِيَتَّخِذُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «شُهَدَاءَ».
الجدول في إعراب القرآن
[سورة آل عمران (3) : آية 140]
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
الإعراب:
(إن) حرف شرط جازم (يمسس) مضارع مجزوم فعل الشرط و (كم) ضمير مفعول به (قرح) فاعل مرفوع (الفاء) رابطة لجواب الشرط (قد) حرف تحقيق (مسّ) فعل ماض (القوم) مفعول به مقدّم منصوب (قرح) فاعل مرفوع (مثل) نعت لقرح مرفوع و (الهاء) ضمير مضاف إليه. (الواو) استئنافيّة (تي) اسم اشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطاب (الأيام) بدل من تلك تبعه في حال
الرفع (نداول) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم، و (ها) ضمير مفعول به (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (نداول) ، (الناس) مضاف إليه مجرور (الواو) عاطفة (اللام) للتعليل (يعلم) مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد اللام (الله) فاعل مرفوع (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (آمنوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ ... والواو فاعل.
والمصدر المؤوّل (أن يعلم الله) في محلّ جرّ باللام متعلّق ب (نداولها) ، وهذا الجارّ معطوف على جارّ مقدّر أي: ليتّعظوا وليعلم الله ...
(الواو) عاطفة (يتّخذ) مضارع منصوب معطوف على فعل يعلم، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (يتّخذ) ، (شهداء) مفعول به منصوب (الواو) اعتراضيّة (الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (لا) نافية (يحبّ) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الظالمين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء.
جملة: «يمسسكم قرح» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «قد مسّ القوم قرح» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء .
وجملة: «تلك الأيام نداولها» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «نداولها ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ تلك .
وجملة: «يعلم الله» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) .
وجملة: «آمنوا» لا محلّ لها صلة الموصول، (الذين) .
وجملة: «يتّخذ ... » في محلّ لها معطوفة على جملة يعلم.
وجملة: «الله لا يحبّ الظالمين» لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: «لا يحبّ الظالمين» في محلّ رفع خبر المبتدأ (الله) .
الصرف:
(قرح) ، مصدر سماعيّ لفعل قرحته أقرحه باب فرح، وزنه فعل بفتح فسكون.
الفوائد
1- وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ.
أجاز بعضهم إعراب «الأيام» خبرا لاسم الاشارة «تلك» التي هي في محلّ رفع مبتدأ. والخطأ بيّن في هذا الاتجاه، لأن الاسم المعرف ب «ال» بعد اسم الإشارة لا يعرب إلا عطف بيان أو بدل وفي ذلك يقول ابن مالك:
وكل اسم معرّف بأل ... بعد اسم إشارة فعطف أو بدل
وفي هذه الآية إعراب الأيام على البدلية هو الوجه الواضح والصحيح وفيه انسياق المعنى ووضوحه.
النحاس
{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ..} [140]
وقرأ الكوفيون {قُرْحٌ} وقرأ محمد اليماني {قَرَحٌ} بفتح الراء. قال الفراء: كأن القُرْحَ أَلَمُ الجِرَاحِ وكأن القرح الجِرَاحُ بعينها وقال الكسائي والأخفش: هما واحد. قال أبو جعفر: هذا مِثلُ فَقْر وفُقْر فأمّا القَرَحُ فهو مصدر قَرِحَ يَقْرح قَرَحاً. {وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ} قيل: هذا في الحرب تكون مَرَّة للمؤمنينَ لِيَنصرَ الله دينَهُ وتكون مَرَّة للكافرِينَ إذا عَصَى المؤمنون لِيَبْتَليَهُمْ الله وليمحِّص ذنوبهم. وقيل: معنى نداولها بين الناس من فرح وغَمّ وصحّة وسقم لِنكد الدنيا وفَضْلِ الآخرة عليها. {وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} وحَذَفَ الفعل أي وليعلم الله الذين آمنوا داولها {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ} أي لِيُقتَلَ قوم فيكونوا شهداء يوم القيامة على الناس بأعمالهم فقيل لهذا شهيد قيل: إِنّما سُمّيَ شَهِيداً لأنه مشهود له بالجنّة
دعاس
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
«إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ» إن الشرطية والفعل المضارع فعل الشرط وقرح فاعله والجملة مستأنفة «فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ» قد للتحقيق مس القوم فعل ماض ومفعوله وفاعله مؤخر والجملة معطوفة بالفاء «مِثْلُهُ» صفة قرح وجواب الشرط محذوف تقديره : فلا تيأسوا «وَتِلْكَ» الواو استئنافية تلك اسم إشارة مبتدأ «الْأَيَّامُ» بدل «نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ» فعل مضارع ومفعوله والفاعل مستتر بين ظرف تعلق بالفعل الناس مضاف إليه والجملة خبر المبتدأ وجملة تلك الأيام استئنافية «وَلِيَعْلَمَ» الواو عاطفة اللام لام التعليل يعلم مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل «اللَّهُ» لفظ الجلالة فاعل «الَّذِينَ» اسم موصول مفعول به وجملة «آمَنُوا» صلة الموصول. «وَيَتَّخِذَ» عطف على ليعلم «مِنْكُمْ» متعلقان بيتخذ «شُهَداءَ» مفعول به «وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» اللّه لفظ الجلالة مبتدأ وجملة لا يحب الظالمين خبره وجملة : واللّه لا يحب مستأنفة أو تعليلية أو اعتراضية.
مشكل إعراب القرآن للخراط
{ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }
"الأيام" بدل، وجملة "نداولها" خبر "تلك". قوله "وليعلم الله": الواو عاطفة، واللام للتعليل، والفعل منصوب بأن مضمرة جوازاً، والمصدر المؤول مجرور متعلق بفعل مضمر أي: نداولها ليعلم. وجملة "وتلك الأيام نداولها" مستأنفة. وجملة "نداولها" المقدرة معطوفة على الجملة "نداولها" السابقة. جملة "والله لا يحب الظالمين" معترضة.