إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ

إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش

[سورة آل عمران (3) : الآيات 123 الى 125]
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) اللغة:
(بدر) اسم ماء بين مكة والمدينة، وقد كان هذا الماء لرجل اسمه بدر، فسمي به. وعنده جرت الوقعة الموسومة بهذا الاسم، في السابع عشر من شهر رمضان، في السنة الثانية للهجرة.
(فَوْرِهِمْ) : الفور: العجلة والسرعة، وهو مصدر من فارت القدر إذا غلت فاستعير للسرعة، ثم سميت به الحالة التي لا ريث فيها ولا إبطاء ولا تعريج على شيء.
(مُسَوِّمِينَ) معلمين بعلامة واضحة. وقد قرئت بصيغة اسم الفاعل وبصيغة اسم المفعول.

الإعراب:
(وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ) الواو استئنافية واللام واقعة في جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق ونصركم الله فعل ومفعول به مقدم وفاعل مؤخر وببدر جار ومجرور متعلقان بنصركم. والجملة مستأنفة مسوقة لتسلية المؤمنين عما لحق بهم من ضرر في غزوة أحد، وتذكيرهم بنعمة الله، وللإشارة بأن هزيمتهم في أحد كانت بسبب مخالفة النبي في الصمود والثبات وأن الحلاوة قد تعتريها مرارة وأن الجنات حفت بالمكاره (وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) الواو للحال وأنتم مبتدأ وأذلة خبر والجملة في محل نصب على الحال (فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الفاء الفصيحة واتقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والله مفعول به ولعل واسمها، وجملة تشكرون خبرها وجملة الرجاء في محل نصب حال (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ) إذ ظرف لما مضى من الزمن متعلق بنصركم أو بدل من «إذ» الأولى، لأن الكلام هنا في صدد غزوة أحد. وجملة تقول في محل جر بالإضافة وللمؤمنين جار ومجرور متعلقان بتقول (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ) الجملة الاستفهامية في محل نصب مقول قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والهمزة للاستفهام الإنكاري كأنهم كانوا كالآيسين من النصر، ولن حرف ناصب ويكفيكم فعل مضارع منصوب بلن والكاف ضمير متصل في محل نصب مفعول به وأن حرف مصدرية ونصب ويمدكم فعل مضارع منصوب بها وأن وما في حيزها في تأويل مصدر فاعل يكفيكم وربكم فاعل يمدكم (بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) بثلاثة الجار والمجرور متعلقان بيمدكم، وآلاف مضاف إليه، ومن الملائكة جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لثلاثة آلاف ومنزلين صفة ثانية (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) بلى حرف جواب لإيجاب النفي في قوله: ألن يكفيكم، والمعنى يكفيكم الإمداد بالملائكة. ولكن ذلك مرهون بشروط لا بد من تأديتها وهي الصبر والتقوى. وإن شرطية وتصبروا فعل الشرط مجزوم بحذف النون والواو فاعل وتتقوا عطف على تصبروا ويأتوكم عطف أيضا ومن فورهم جار ومجرور متعلقان بيأتوكم وهذا اسم إشارة في محل جر صفة لفوركم أو بدل منه والجملة كلها مستأنفة مسوقة لتعيين شروط الإمداد (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) يمددكم جواب الشرط والكاف مفعول به وربكم فاعل ومن الملائكة جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لخمسة آلاف ومسومين صفة ثانية.

البلاغة:
الكناية في قوله تعالى: «وأنتم أذلة» عن ضعف حالتهم وضآلة عددهم وعددهم: ذكر التاريخ أنهم خرجوا يعتقب النّفر منهم على البعير الواحد، وما كان معهم إلا فرس واحد يوم بدر.

التبيان في إعراب القرآن

قَالَ تَعَالَى: (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ) : تَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: اذْكُرْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ «إِذْ هَمَّتْ» . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِنَصَرَكُمْ. (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) : هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّفْيِ نَقَلَتْهُ إِلَّا الْإِثْبَاتِ، وَيَبْقَى زَمَانُ الْفِعْلِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَ (أَنْ يُمِدَّكُمْ) : فَاعِلُ يَكْفِيَكُمْ. (بِثَلَاثَةِ آلَافٍ) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ الْفَاءِ، وَقَدْ أُسْكِنَتْ فِي الشَّوَاذِّ عَلَى أَنَّهُ أَجْرَى الْوَصْلَ مُجْرَى الْوَقْفِ، وَهَذِهِ التَّاءُ إِذَا وُقِفَ عَلَيْهَا كَانَتْ بَدَلًا مِنَ الْهَاءِ الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ تَاءَ التَّأْنِيثِ هِيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا وَهِيَ لُغَةٌ. وَقُرِئَ شَاذًّا بِهَاءٍ سَاكِنَةٍ ; وَهُوَ إِجْرَاءُ الْوَصْلِ مُجْرَى الْوَقْفِ أَيْضًا، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْمُضَافَ وَالْمُضَافَ إِلَيْهِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ. ( مُسَوِّمِينَ) : بِكَسْرِ الْوَاوِ ; أَيْ مُسَوِّمِينَ خَيْلَهُمْ أَوْ أَنْفُسَهُمْ، وَبِفَتْحِهَا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ.

الجدول في إعراب القرآن

[سورة آل عمران (3) : آية 124]
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)
الإعراب:
(إذ) اسم ظرفيّ مبنيّ متعلّق ب (نصركم) في الآية السابقة ، (تقول) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت وثمّة خلاف كبير بين المفسّرين في تفسير هذه الآية أنقل ملخّصا له من البحر المحيط لأبي حيّان، قال: ظاهر هذه الآية اتصالها بما قبلها لأنّها من قصة بدر وهو قول الجمهور فيكون (إذ) معمولا ل (نصركم) ، وقيل هذا من تمام قصة أحد فيكون قوله: ولقد نصركم الله ببدر معترضا بين الكلامين لما فيه من التحريض على التوكّل والثبات للقتال، وحجة هذا القول أنّ يوم بدر كان المدد فيه من الملائكة ألفا وهنا بثلاثة آلاف وخمسة آلاف ... وقال:
يأتوكم من فورهم أي الإمداد- يعني إمداد الكفار- ويوم بدر ذهب المسلمون إليهم. (للمؤمنين) جارّ ومجرور متعلّق ب (تقول) وعلامة الجرّ الياء (الهمزة) للاستفهام الإنكاريّ (لن) حرف نفي ونصب (يكفي) مضارع منصوب و (كم) ضمير مفعول به (أن) حرف مصدريّ ونصب (يمدّ) مضارع منصوب و (كم) ضمير مفعول به (ربّ) فاعل مرفوع و (كم) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن يمدّكم ربّكم) في محلّ رفع فاعل يكفي.
(بثلاثة) جارّ ومجرور متعلّق ب (يمدّكم) ، (آلاف) مضاف إليه مجرور ، (من الملائكة) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت للتمييز المقدّر وهو ملك (منزلين) حال من الملائكة منصوبة وعلامة النصب الياء .
جملة: «تقول ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «لن يكفيكم ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «يمدّكم ربّكم» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) .
الصرف:
(منزلين) ، جمع منزل- بفتح الزاي- اسم مفعول من أنزل الرباعيّ وزنه مفعل بضمّ الميم وفتح العين، وفي اللفظ حذفت الهمزة من أوله كما حذفت من الفعل.
الفوائد
- قوله تعالى: «أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ» الهمزة للاستفهام الاستنكاري وقد أحالت النفي إلى إيجاب وقد مرّ معنا أن الهمزة تخرج عن معناها الأصلي الذي وضعت له وهو الاستفهام، ولتمكين ذلك من أذهان القراء نعود لتقرير ذلك بالتفصيل فهي ترد لثمانية معان:
1- همزة التسوية: وهي التي تكون ما بعد كلمة سواء أو ما في معناها يقع بعدها جملة يصح حلول المصدر محلها نحو: «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» 2- الإنكار الابطالي: وهي تقضي أن ما بعدها- إذا أزيل الاستفهام- غير واقع كقوله تعالى: أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً.
3- الإنكار التوبيخي وهي التي ما بعدها واقع وفاعله ملوم نحو: «أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ» .
4- التقرير: وهو حملك المخاطب على الإقرار الاعترافي بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه.
5- التهكم نحو «قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا» 6- الأمر نحو: «أَأَسْلَمْتُمْ» أي أسلموا.
7- التعجب نحو: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ؟ 8- الاستبطاء نحو: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ؟!

النحاس

{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ..} [124] وان شئتَ أدغمت اللام في اللام وجاز الجمع بين ساكنين لأن أحدهما حرف مدَّ ولين.

دعاس

إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)

«إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ» إذ ظرف بدل من إذ قبلها والجار والمجرور متعلقان بتقول «أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ» الهمزة للاستفهام ويكفيكم مضارع منصوب بلن والكاف مفعوله والمصدر المؤول من أن الناصبة والفعل المضارع يمدكم في محل رفع فاعله «رَبُّكُمْ» فاعل يمدكم وجملة ألن مقول القول «بِثَلاثَةِ» متعلقان بيمددكم «آلافٍ» مضاف إليه «مِنَ الْمَلائِكَةِ» متعلقان بمحذوف صفة ثلاثة آلاف «مُنْزَلِينَ» صفة ثانية مجرورة بالياء.

مشكل إعراب القرآن للخراط

{ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ } "إذ تقول": بدل من { إِذْ هَمَّتْ } السابقة. والمصدر المؤول "أن يمدّكم" فاعل "يكفي"، وقوله "منزلين": حال من الملائكة.