[سورة البقرة (2) : الآيات 263 الى 265]
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)
اللغة:
(رِئاءَ) مصدر راءى مراءاة ورئاء، والأصل: ريايا، فالهمزة الأولى بدل من ياء هي عين الكلمة. والثانية بدل من ياء هي لام الكلمة لأنها وقعت طرفا بعد ألف زائدة. والمفاعلة على بابها من المشاركة، لأن المرائي يري الناس أعماله حتى يروه الثناء عليه والاحترام له.
(صَفْوانٍ) : حجر كبير أملس.
(الوابل) : المطر الكثير. قال الأصمعي: أخف المطر وأضعفه الطلّ، ثم الرذاذ أقوى منه، ثم البغش والدّث، ومثله الرّكّ والرهمة. وقال النضر بن شميل: أول المطر رش وطش، ثم طل ورذاذ، ثم نضح ونضخ، ثم هطل وتهتان، ثم وابل وجود.
(صلد) : صلب أملس أو أجرد نقي من التراب الذي كان عليه.
الإعراب:
(قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) قول مبتدأ وساغ الابتداء بالنكرة لأنها وصفت، معروف: صفة لقول ومغفرة عطف على قول، خير خبر، من صدقة جار ومجرور متعلقان بخير، يتبعها فعل مضارع والهاء مفعول به والجملة صفة لصدقة، أذى فاعل، (وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) الواو استئنافية والله مبتدأ وغني حليم خبراه. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها كثيرا (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) كلام مستأنف مسوق لبيان حكم هذه المسألة، وهي إبطال الصدقات بالمن والأذى. ولا ناهية وتبطلوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وصدقاتكم مفعول به منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة لأنه جمع مؤنث سالم، والكاف مضاف اليه وبالمن جار ومجرور متعلقان بتبطلوا والأذى عطف على المن (كَالَّذِي) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف نعت لمصدر محذوف، فهو مفعول مطلق أي لا تبطلوها إبطالا كإبطال الذي ... أو حال من ضمير المصدر المقدر، كما نص عليه سيبويه، أو من فاعل تبطلوا. أي لا تبطلوا صدقاتكم مشبهين الذي ينفق ماله رئاء الناس والوجهان
جيدان. (يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) جملة ينفق ماله صلة الموصول لا محل لها ورئاء الناس مفعول لأجله وقد استكمل شروط النصب فلا يعدل عنه الى وجه آخر كما زعم بعض المعربين (وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الواو حرف عطف، لا نافية، يؤمن فعل مضارع وفاعله هو، وبالله متعلقان بيؤمن، واليوم الآخر معطوف على الله (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ) الفاء استئنافية جيء بها لمجرد الربط بين الجمل، ومثله مبتدأ وكمثل الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر، أو الكاف اسم بمعنى مثل خبر وهو مضاف ومثل مضاف اليه وصفوان مضاف الى مثل (عَلَيْهِ تُرابٌ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وتراب مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية في محل جر صفة لصفوان (فَأَصابَهُ وابِلٌ) الفاء عاطفة عطفت أصابه على متعلق عليه، أي: استقر عليه فأصابه، والهاء مفعول به ووابل فاعل (فَتَرَكَهُ صَلْداً) الفاء عاطفة وترك فعل ماض ينصب مفعولين أولهما الهاء والثاني صلدا (لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ) الجملة مستأنفة مسوقة للرد على سؤال، كأنه قيل فماذا كان مآلهم؟
فقيل: لا يقدرون، ولا نافية ويقدرون فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل وعلى شيء جار ومجرور متعلقان بيقدرون، وأعاد الضمير مجموعا وهو في الظاهر مفرد، لأن «الذي» يراد به الفريق الذي ينفق والجنس الذي ينفق (مِمَّا كَسَبُوا) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لشيء وجملة كسبوا لا محل لها لأنها صلة الموصول ما (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة للتعريض بأن المن والأذى من صفات الكفار والله مبتدأ وجملة لا يهدي خبر والقوم مفعول به والكافرين صفة للقوم (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ) الواو عاطفة على «فمثله» ومثل مبتدأ ولا بد من تقدير مضاف تقديره نفقات، والذين مضاف
اليه وجملة ينفقون أموالهم لا محل لها لأنها صلة الموصول (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ) مفعول لأجله وشروط النصب متوفرة فيه ومرضاة الله مضاف اليه (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) عطف على ابتغاء، ومن أنفسهم متعلقان ب «تثبيتا» أي منطلقا من أصل أنفسهم، وقال ابن عطية:
«ولا يصح أن يكون ابتغاء مفعولا من أجله لعطف «تثبيتا» عليه، ولا يصح «تثبيتا» أنه مفعول من أجله لأن الانفاق ليس من أصل التثبيت» ، ولهذا رجّح أبو حيان أن يكون «ابتغاء» مصدرا في موضع الحال، أي: متغين، وكذلك «وتثبيتا» . وفي كلامهما شيء غير قليل من بعد الغور وحسن التقدير. ولكن يمكن القول أن التثبيت من أفعال القلوب، لأنه صادر عنها، وهو يحدو صاحب القلب الى التثبيت، ولهذا نرجح ما أعربناه (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر للمبتدأ «مثل الذين» وبربوة جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لجنة (أَصابَها وابِلٌ) فعل ومفعول به وفاعل والجملة صفة لجنة أيضا (فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ) الفاء عاطفة وآتت فعل ماض والفاعل مستتر تقديره هي يعود على جنة وأكلها مفعول به والهاء مضاف اليه وضعفين حال (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ) الفاء استئنافية وإن شرطية ولم حرف نفي وقلب وجزم ويصبها فعل مضارع مجزوم ب «لم» في محل جزم فعل الشرط والفاء رابطة للجواب وطل خبر لمبتدأ محذوف أي فالذي يصيبها طلّ والجملة في محل جزم جواب الشرط (وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الواو استئنافية والله مبتدأ والجار والمجرور متعلقان ببصير وجملة تعملون صلة الموصول وبصير خبر الله.
البلاغة:
1- التشبيه التمثيلي الأول: فقد شبه إنفاق الأموال رئاء الناس ثم إتباع ذلك بالمنّ والتطاول بالإحسان بالتراب الذي يوضع على الصخر الأملس يأتي عليه الوابل من المطر فيذروه ويذهب به ولا يترك له أثرا.
2- التشبيه التمثيلي الثاني: فقد شبه إنفاق الأموال الخالص من الرياء في سبيل الله وابتغاء مرضاته بالبستان الوريف الظلال فوق ربوة عالية يكفيها القليل من المطر لتربو وتهتز وتمرع وتخصب.
Print
Copy