كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۧنَ مُبَشِّرِينَ
وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَ ٱلنَّاسِ
فِيمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ
مَا جَآءَتۡهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ
لِمَا ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ
إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٍ
إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش
[سورة البقرة (2) : آية 213]
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
الإعراب:
(كانَ النَّاسُ أُمَّةً) كان واسمها وخبرها (واحِدَةً) صفة (فَبَعَثَ) الفاء عاطفة على جملة مقدرة اختصارا وإيجازا، أي كان الناس متفقين على الحق فاختلفوا فبعث. والكلام مستأنف مسوق للدلالة على كيفية الاختلاف السائد بين الناس والزيغ المؤدي الى التفريق بينهم، وذلك بدلالة ما بعده وبعث فعل ماض (اللَّهُ) فاعل (النَّبِيِّينَ) مفعول به (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) حالان والثاني معطوف على الأول (وَأَنْزَلَ) عطف على فبعث (مَعَهُمُ) ظرف زمان متعلق بمحذوف حال من «الكتاب» أي وأنزل الكتاب مصاحبا لهم وقت الإنزال (الْكِتابَ) مفعول به (بِالْحَقِّ) جار ومجرور متعلقان بأنزل والباء للملابسة، أي أي أنزله إنزالا ملتبسا بالحق (لِيَحْكُمَ) اللام للتعليل ويحكم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل ولام التعليل ومجرورها المؤول متعلقان بأنزل أيضا (بَيْنَ النَّاسِ) الظرف المكاني متعلق بيحكم، والناس مضاف إليه (فِيمَا) الجار والمجرور متعلقان بيحكم (اخْتَلَفُوا) فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها صلة «ما» الموصولية (فِيهِ) الجار والمجرور متعلقان باختلفوا (وَمَا) الواو عاطفة وما نافية (اخْتَلَفَ) فعل ماض (فِيهِ) الجار والمجرور متعلقان باختلف (إِلَّا) أداة حصر (الَّذِينَ) فاعل اختلف (أُوتُوهُ) فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل هو المفعول الاول والهاء مفعول به ثان (مِنْ بَعْدِ) الجار
والمجرور متعلقان باختلف (مَا) مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مضاف إليه، أي من بعد مجيء البينات (جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) فعل ومفعول به مقدم والبينات فاعل مؤخر (بَغْياً) مفعول لأجله، أي حسدا منهم، وقيل: حال مؤولة، وليس ببعيد (بَيْنَهُمْ) الظرف المكاني متعلق بمحذوف صفة لبغيا (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) الفاء عاطفة وهدى فعل ماض والله فاعل والذين وصلتها مفعول به (لِمَا) الجار والمجرور متعلقان بهدى وما موصولية (اخْتَلَفُوا) فعل وفاعل والجملة صلة ما (فِيهِ) الجار والمجرور متعلقان باختلفوا (مِنَ الْحَقِّ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من «ما» (بِإِذْنِهِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من الذين آمنوا، أي: مأذونا لهم فهو حال من المفعول به (وَاللَّهُ) الواو استئنافية والله مبتدأ (يَهْدِي) فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو يعود على الله تعالى، والجملة في محل رفع خبر الله (مِنْ) اسم موصول مفعول به (يَشاءُ) الجملة صلة الموصول لا محل لها (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) الجار والمجرور متعلقان بيهدي ومستقيم صفة.
البلاغة:
في هذه الآية الكريمة فن القلب، وهو شائع في كلامهم، ومثل له السّكاكي والزمخشري والجوهري بقوله تعالى: «ويوم يعرض الذين كفروا على النار» والأصل فيه: ويوم تعرض النار على الذين كفروا. كما مثلوا في الشعر بقول عروة بن الورد:
فديت بنفسه نفسي وما لي ... وما آلوك إلا ما أطيق
والأصل فديت نفسه بنفسي، فالمفدي نفس المحبوب، والمفدي به نفس الشاعر، لا العكس كما هو ظاهر البيت، وبقول المتنبي:
وعذلت أهل العشق حتى ذقته ... فعجبت كيف يموت من لا يعشق
لأن أصله كيف لا يموت من يعشق، والصواب خلافه. وأن المراد أنه صار يرى أن لا سبب للموت سوى العشق. وفي الآية التي نحن بصددها قال أبو جعفر الطبري: «وإنما معنى ذلك: فهدى الله الذين آمنوا للحق فيما اختلف فيه من كتاب الله الذين أوتوه، والله تبارك وتعالى إنما خاطبهم بمنطق العرب، ومثل له أبو جعفر بقول النابغة الجعدي:
كانت فريضة ما تقول كما ... كان الزّناء فريضة الرجم
وإنما الرجم فريضة الزنا.
التبيان في إعراب القرآن
قَالَ تَعَالَى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) : حَالَانِ: (
وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ) «مَعَهُمْ» فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْكِتَابِ ; أَيْ وَأَنْزَلَ الْكِتَابَ شَاهِدًا لَهُمْ وَمُؤَيِّدًا، وَالْكِتَابُ جِنْسٌ أَوْ مُفْرَدٌ فِي مَوْضِعِ الْجَمْعِ.
(وَبِالْحَقِّ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْكِتَابِ ; أَيْ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَقِّ وَمُمْتَزِجًا بِالْحَقِّ. (لِيَحْكُمَ) : اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَنْزَلَ، وَفَاعِلُ (يَحْكُمُ) : اللَّهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ.
(مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ) : مِنْ تَتَعَلَّقُ بِاخْتَلَفَ، وَلَا يَمْنَعُ إِلَّا مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُ مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. وَ (بَغْيًا) : مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ اخْتَلَفَ.
مِنَ الْحَقِّ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ فِي «فِيهِ» . وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ مَا.
(بِإِذْنِهِ) : حَالٌ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ; أَيْ مَأْذُونًا لَهُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِهَدَى ; أَيْ هُدَاهُمْ بِأَمْرِهِ.
الجدول في إعراب القرآن
[سورة البقرة (2) : آية 213]
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
الإعراب:
(كان) ، فعل ماض ناقص (الناس) اسم كان مرفوع (أمّة) خبر كان منصوب (واحدة) نعت لأمة منصوب مثله (الفاء) عاطفة (بعث) فعل ماض (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (النبيّين) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء و (النون) عوض من التنوين (مبشّرين) حال منصوبة من النبيّين وعلامة النصب الياء (الواو) عاطفة (منذرين) معطوف على مبشّرين منصوب مثله وعلامة النصب الياء (الواو) عاطفة (أنزل) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (مع) ظرف مكان مفعول فيه منصوب متعلّق ب (أنزل) ، (هم) ضمير متّصل مضاف إليه (الكتاب) مفعول به منصوب (بالحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الكتاب أي متلبّسا بالحقّ (اللام) للتعليل (يحكم) مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد اللام، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو- أي الله- أو الكتاب ، (بين) ظرف مكان منصوب متعلّق ب (يحكم) ، (الناس) مضاف إليه مجرور (في) حرف جرّ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق ب (يحكم) ،
(اختلفوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعل (في) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (اختلفوا) ، (الواو) اعتراضيّة (ما) نافية (اختلف) فعل ماض (فيه) مثل الأول ومتعلق ب (اختلف) ، (إلا) أداة حصر (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع فاعل (أوتوا) فعل ماض مبنيّ للمجهول مبنيّ على الضمّ.. والواو نائب فاعل و (الهاء) ضمير مفعول به (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (اختلف) ، (ما) حرف مصدريّ (جاء) فعل ماض و (التاء) تاء التأنيث و (هم) ضمير متّصل مفعول به (البيّنات) فاعل مرفوع.
والمصدر المؤوّل (ما جاءته البيّنات) في محلّ جرّ مضاف إليه.
(بغيا) مفعول لأجله أو حال بتأويل مشتقّ أي باغين (بين) مثل الأول متعلّق بنعت ل (بغيا) ، و (هم) ضمير متّصل مضاف إليه. (الفاء) عاطفة (هدى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف (الله) فاعل مرفوع (الذين) اسم موصول في محلّ نصب مفعول به (آمنوا) مثل اختلفوا (اللام) حرف جرّ (ما) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق ب (هدى) ، (اختلفوا) مثل الأول (فيه) كالسابق متعلّق ب (اختلفوا) ، (من الحقّ) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من ضمير الغائب في (فيه) ، (بإذن) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الذين آمنوا أي سالكين الحقّ بإذنه ، و (الهاء) مضاف إليه. (الواو) استئنافيّة (الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع (يهدي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (يشاء) مضارع مرفوع والفاعل هو أي لفظ الجلالة (إلى
صراط) جارّ ومجرور متعلّق ب (يهدي) ، (مستقيم) نعت لصراط مجرور مثله.
جملة: «كان الناس أمّة» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «بعث الله» لا محلّ لها معطوفة على جملة مقدّرة أي اختلفوا فبعث.
وجملة: «أنزل..» لا محل لها معطوفة على جملة بعث.
وجملة: «يحكم» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أنّ) المضمر.
وجملة: «اختلفوا» لا محلّ لها صلة الموصول (ما) .
وجملة: «ما اختلف» لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: «أوتوه» لا محل لها صلة الموصول (الذين) .
وجملة: «جاءتهم» لا محل لها صلة الموصول الحرفيّ (ما) .
وجملة: «هدى الله» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «آمنوا» لا محل لها صلة الموصول (الذين) الثاني.
وجملة: «اختلفوا» لا محلّ لها صلة الموصول (ما) الثاني.
وجملة: «الله يهدي..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يهدي..» في محلّ رفع خبر المبتدأ (الله) .
وجملة: «يشاء» لا محلّ لها صلة الموصول (من) .
الصرف:
(كان- هدى) ، فيهما إعلال بالقلب، الأول قلب الواو ألفا والثاني قلب الياء ألفا لمجيئهما مفتوحتين بعد فتح.
(واحدة) ، مؤنّث واحد اسم على وزن فاعل يدلّ على عدد مفرد أو يأتي معطوفا عليه في الأعداد من واحد وعشرين إلى واحد وتسعين (انظر الآية 61 من هذه السورة) .
(مبشّرين) ، جمع مبشّر، اسم فاعل من بشّر الرباعيّ وزنه مفعّل بضمّ الميم وكسر العين.
(منذرين) ، جمع منذر اسم فاعل من أنذر الرباعيّ وزنه مفعل بضمّ الميم وكسر العين.
(أوتوا) فيه قلب الألف واوا لمناسبة الضمّة قبلها في البناء للمجهول، وفيه إعلال بالحذف.. (انظر الآية 144) .
البلاغة
في هذه الآية الكريمة فن يدعى عند علماء البلاغة بفن القلب.
فقوله «فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ» معناه:
فهدى الله الذين آمنوا للحق فيما اختلف فيه من كتاب الله الذين أوتوه.
الفوائد
عقد صاحب كتاب النحو الوافي فصلا حول المعاني التي يشتمل عليها حرف «الباء» عند ما يكون حرفا للجر. فذكر لها خمسة عشر معنى وهي:
الإلصاق، والسببية، والاستعانة، والظرفية، والتعدية، والمصاحبة، والبدلية، والعوض، والتبعيض، والمجاوزة، والاستعلاء. وبمعنى إلى والتوكيد، والدلالة على القسم. ولكل معنى من هذه المعاني أمثلة وشروح فمن شاء الاستزادة فيمكن مراجعتها في المصدر المذكور.
النحاس
{كَانَ ٱلنَّاسُ..} [213]
اسم كان {أُمَّةً} خبرها {وَاحِدَةً} نعت: قال أبو جعفر: قد ذكرنا قول أهل التفسير في المعنى، والتقدير في العربية: كان الناس أمةً واحدةً فاختلفوا فبعَثَ الله النبيينَ ودلّ على هذا الحذف {وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ} أي كان الناس على دينِ الحق فاختلفوا {فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} أي "مُبَشِّرِينَ" من أطاع و "مُنذِرِينَ" من عَصَى وهما نصب على الحال {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ} الكتاب بمعنى الكتب {لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ} نصب بإضمار أنْ وهو مجاز مثل {هذا كِتَابُنَا يَنْطِقُ علَيْكُم بِالحقِّ}، وقرأ عاصم الجحدري {لِيُحْكم} شاذة لأنه قد تقدم ذكر الكتاب {وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ} موضع الذين رفع بفعلهم والذين اختلفوا فيه هم المخاطبون {فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ} قال أبو جعفر: قد ذكرنا قول أهل التفسير فيه وربما أعدنا الشيء مما تقدّم لنزيده شرحاً أو لنختار منه قولاً. فمن أحسن ما قيل فيه: ان المعنى فهدى الله الذين آمنوا بأن بيّنَ لهم الحق مما اختلفت فيه من كان قبلهُم فأما الحديث "في يومِ الجمعة فهم لنا تَبَعٌ" فمعناه فَعَليهِم أن يَتّبعونا لأن هذه الشريعة ناسخة لشرائعهم قال أبو اسحاق: معنى باذنِهِ بعلمِهِ. قال أبو جعفر: وهذا غلط وانما ذلك الإِذنُ والمعنى والله أعلمُ بأمره وإذا أذنِتَ في الشيء فكأنك قد أمرتَ بهِ أي فهدى الله الذين آمنوا بأن أمَرَهُم بما يجبُ أن يستعملوه.
دعاس
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
«كانَ النَّاسُ أُمَّةً» كان واسمها وخبرها. «واحِدَةً» صفة. «فَبَعَثَ» الفاء عاطفة. «بعث اللَّهُ» فعل ماض ولفظ الجلالة فاعل والجملة معطوفة على جملة محذوفة أي كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله. «النَّبِيِّينَ» مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. «مُبَشِّرِينَ» حال. «وَمُنْذِرِينَ» عطف. «وَأَنْزَلَ» الواو حرف عطف أنزل فعل ماض والفاعل هو يعود إلى الله. «مَعَهُمُ» ظرف مكان متعلق بالفعل قبله. «الْكِتابَ» مفعول به. «لِيَحْكُمَ» اللام لام التعليل يحكم مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل وهي والفعل في تأويل مصدر في محل جر باللام والجار والمجرور متعلقان بالفعل أنزل. «بَيْنَ» ظرف مكان متعلق بيحكم. «النَّاسُ» مضاف إليه. «فِيمَا» ما موصولية ومتعلقان بيحكم «اخْتَلَفُوا» ماض والواو فاعله والجملة صلة. «وَمَا» الواو عاطفة ، ما نافية. «اخْتَلَفَ» ماض.
«فِيهِ» متعلقان باختلف. «إِلَّا» أداة حصر. «الَّذِينَ» اسم موصول فاعل «أُوتُوهُ» فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة والواو نائب فاعل وهو المفعول الأول والهاء المفعول الثاني. «مِنْ بَعْدِ» متعلقان باختلف. «ما جاءَتْهُمُ» ما مصدرية جاءتهم فعل ماض ومفعول به وهو مؤول مع ما المصدرية بمصدر في محل جر بالإضافة. «الْبَيِّناتُ» فاعل. «بَغْياً» مفعول لأجله. «بَيْنَهُمْ» ظرف مكان متعلق بمحذوف صفة بغيا. «فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» فعل ماض ولفظ الجلالة فاعل والذين مفعول به وآمنوا ماض وفاعله والجملة صلة الموصول. «لِمَا» متعلقان بهدى. «اخْتَلَفُوا» فعل ماض وفاعل. «فِيهِ» متعلقان بالفعل والجملة صلة الموصول ما. «مِنَ الْحَقِّ» متعلقان بمحذوف حال من ما. «بِإِذْنِهِ» متعلقان بهدى. «وَاللَّهُ» الواو استئنافية الله لفظ الجلالة مبتدأ. «يَهْدِي» فعل مضارع والفاعل هو يعود إلى الله
و الجملة خبر. «مِنْ» اسم موصول مفعول به. «يَشاءُ» فعل مضارع والجملة صلة الموصول. «إِلى صِراطٍ» متعلقان بيهدي. «مُسْتَقِيمٍ» صفة.
مشكل إعراب القرآن للخراط
{ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ }
جملة "وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه" معترضة. "بغيا": مفعول لأجله منصوب. قوله "لما اختلفوا": اللام جارَّة، "ما" اسم موصول في محل جر، والجار والمجرور متعلقان بـ "هدى". وجملة "فهدى الله" معطوفة على جملة "وأنزل".