۞يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَهِلَّةِۖ قُلۡ هِيَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلۡحَجِّۗ وَلَيۡسَ ٱلۡبِرُّ بِأَن تَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰۗ وَأۡتُواْ ٱلۡبُيُوتَ مِنۡ أَبۡوَٰبِهَاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ

إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش

[سورة البقرة (2) : آية 189]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)

اللغة:
(مَواقِيتُ) : جمع ميقات، وأصله موقات قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، وهي معالم يوقّت الناس بها شئون معايشهم. الإعراب:
(يَسْئَلُونَكَ) فعل مضارع مرفوع، وفاعل، ومفعول به، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان الحكمة في اختلاف الأهلة، بعد أن ألحفوا في السؤال عن ذلك. روي أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصاريّ قالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يمتلىء ويستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ، لا يكون على حال واحدة؟ فجاءت الآية بالحكم الشامل الحاسم. والحكمة المنوخاة من تطور الهلال لتوقيت المعايش واتساقها على نمط واحد باهر، والهلال مفرد وجمع، باختلاف زمانه، ويجمع قياسا على أهلّة، وهو مقيس في فعال المضعّف، نحو: عنان وأعنّة، وزمام وأزمّة، وسنان وأسنّة. (عَنِ الْأَهِلَّةِ) الجار والمجرور متعلقان بيسألونك (قُلْ) فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره أنت والجملة استئنافية (هِيَ مَواقِيتُ) جملة اسمية من مبتدأ وخبر في محل نصب مقول القول (لِلنَّاسِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمواقيت (وَالْحَجِّ) عطف على الناس (وَلَيْسَ) الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة للاستطراد، وسيأتي ذكره، أو كأنه تعكيس في سؤالهم، وإن مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت ويدخله من ظهره، وليس فعل ماض ناقص (الْبِرُّ) اسم ليس (بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ) الباء حرف جر زائد في خبر ليس، وأن وما بعدها في تأويل مصدر خبر ليس، والبيوت مفعول به (مِنْ ظُهُورِها) الجار والمجرور متعلقان بتأتوا (وَلكِنَّ) الواو عاطفة، ولكن حرف للاستدراك مشبه بالفعل (الْبِرُّ) اسمها المنصوب، ولا بد من تقدير محذوف ليتسق الكلام، كأنه قيل:
إن ما تفعلونه من استقصاء في السؤال ليس برا، ولكن البر (مِنْ) اسم موصول خبر لكن، ولا من حذف مضاف، أي برّ من (اتَّقى) الجملة صلة الموصول لا محل لها (وَأْتُوا) الواو عاطفة، وعطف الإنشاء على الخبر جائز، فقد تقدمت جملتان خبريتان وهما: ليس البر، ولكن البر من اتقى، وعطف عليها جملتان إنشائيتان وهما:
وأتوا البيوت، واتقوا الله (الْبُيُوتَ) مفعول به (مِنْ أَبْوابِها) الجار والمجرور متعلقان بأتوا (وَاتَّقُوا اللَّهَ) الجملة عطف على الجملة الأمرية (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لعل واسمها، وجملة تفلحون خبرها، وجملة الرجاء حالية.

البلاغة:
«الاستطراد» وهو فن دقيق متشعب، يجنح اليه المتكلم في غرض من أغراض القول يخيل إليك انه مستمر فيه، ثم يخرج منه الى غيره لمناسبة بينهما، ثم يرجع الى الاول، فقد ذكر عن الأهلة واختلافها أنها مواقيت للحج، وأن مثلهم في السؤال كمثل من يترك باب البيت ويدخل من ظهره، فقد كان ناس من الأنصار إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطا- أي بستانا- ولا دارا ولا فسطاطا من باب، فاذا كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته، منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلما فيه يصعد، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء، فقيل لهم ذلك. ومن جميل هذا الفن قول عبد المطلب:
لنا نفوس لنيل المجد عاشقة ... فان تسلّت أسلناها على الأسل
لا ينزل المجد إلا في منازلنا ... كالنوم ليس له مأوى سوى المقل

الفوائد:
اختلف علماء البلاغة في السؤال: أهو سؤال عن السبب أم عن الحكمة؟ واختار الزمخشري والراغب والقاضي البيضاوي أنه سؤال عن الحكمة كما يدل عليه الجواب إخراجا للكلام على مقتضى الظاهر لأنه الأصل، واختار السّكّاكيّ أنه سؤال عن السبب، لأن الحكمة ظاهرة لا تستحق السؤال عنها، والجواب من الأسلوب الحكيم.
وقد أطال كل فريق في الاحتجاج لما يدعيه، وانتهى بهم الأمر الى التراشق بقوارص الكلام، مما لا يتسع له المقام فلله درّ رجال التراث عندنا، ما أشدّ تقصّيهم وأكثر تنقيبهم.

التبيان في إعراب القرآن

قَالَ تَعَالَى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (عَنِ الْأَهِلَّةِ) : الْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيكِ النُّونِ، وَإِثْبَاتِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ اللَّامِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيُقْرَأُ فِي الشُّذُوذِ بِإِدْغَامِ النُّونِ فِي اللَّامِ، وَحَذْفِ الْهَمْزَةِ، وَالْأَصْلُ الْأَهِلَّةُ
فَأُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى اللَّامِ فَتَحَرَّكَتْ، ثُمَّ حُذِفَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِتَحَرُّكِ اللَّامِ، فَصَارَتْ لَهِلَّةِ فَلَمَّا لَقِيَتِ النُّونُ اللَّامَ قُلِبَتِ النُّونُ لَامًا، وَأُدْغِمَتْ فِي اللَّامِ الْأُخْرَى وَمِثْلُهُ لَحْمَرُ فِي الْأَحْمَرِ، وَهِيَ لُغَةٌ. ( وَالْحَجِّ) : مَعْطُوفٌ عَلَى النَّاسِ.
وَلَا اخْتِلَافَ فِي رَفْعِ «الْبِرُّ» هُنَا ; لِأَنَّ خَبَرَ لَيْسَ «بِأَنْ تَأْتُوا» وَلَزِمَ ذَلِكَ بِدُخُولِ الْبَاءِ فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا) إِذْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِأَحَدِهِمَا مَا يُعَيِّنُهُ اسْمًا أَوْ خَبَرًا.
وَ (الْبُيُوتَ) : يُقْرَأُ بِضَمِّ الْبَاءِ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْجَمْعِ عَلَى فَعُولٍ، وَالْمُعْتَلُّ كَالصَّحِيحِ، وَإِنَّمَا ضُمَّ أَوَّلُ هَذَا الْجَمْعِ لِيُشَاكِلَ ضَمَّةَ الثَّانِي، وَالْوَاوَ بَعْدَهُ.
وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْبَاءِ ; لِأَنَّ بَعْدَهُ يَاءً، وَالْكَسْرَةُ مَنْ جِنْسِ الْيَاءِ، وَلَا يُحْتَفَلُ بِالْخُرُوجِ مِنْ كَسْرٍ إِلَى ضَمٍّ ; لِأَنَّ الضَّمَّةَ هُنَا فِي الْيَاءِ، وَالْيَاءُ مُقَدَّرَةٌ بِكَسْرَتَيْنِ، فَكَانَتِ الْكَسْرَةُ فِي الْبَاءِ كَأَنَّهَا وَلِيَتْ كَسْرَةً، هَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْغُيُوبِ وَالْجُيُوبِ، وَالشُّيُوخِ وَمِنْ هَاهُنَا جَازَ فِي التَّصْغِيرِ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ، فَيُقَالُ: بُيَيْتٌ وَبِيَيْتٌ.
(وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى) : مِثْلُ «وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ» وَقَدْ تَقَدَّمَ.

الجدول في إعراب القرآن

[سورة البقرة (2) : آية 189]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
الإعراب:
(يسألون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل و (الكاف) ضمير مفعول به (عن الأهلّة) جارّ ومجرور متعلّق ب (يسألون) ، (قل) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت (هي) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (مواقيت) خبر مرفوع (للناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لمواقيت (الحج) معطوف على الناس بالواو مجرور مثله (الواو) عاطفة (ليس) فعل ماض ناقص جامد (البرّ) اسم ليس مرفوع (الباء) حرف جرّ زائد (أن) حرف مصدريّ ونصب (تأتوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعل (البيوت) مفعول به منصوب (من ظهور) جارّ ومجرور متعلّق ب (تأتوا) بتضمينه معنى تدخلوا و (ها) ضمير مضاف إليه.
والمصدر المؤوّل (أن تأتوا) في محلّ جرّ بالحرف الزائد- وهو المحلّ القريب- وفي محلّ نصب خبر ليس- وهو المحلّ البعيد.
(الواو) عاطفة (لكنّ) حرف استدراك ونصب (البرّ) اسم لكنّ منصوب وهو على حذف مضاف أي ذا البرّ (من) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع خبر (اتّقى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف والفاعل ضمير مستتر تقديره هو وهو العائد (الواو) استئنافيّة (ائتوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعل (البيوت) مفعول به منصوب (من أبواب) جارّ ومجرور متعلّق ب (ائتوا) ، و (ها) ضمير مضاف إليه (الواو) عاطفة (اتّقوا) مثل ائتوا (الله) لفظ الجلالة مفعول به منصوب (لعلكم تفلحون) تقدّم إعراب نظيرها .
جملة: «يسألونك..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «قل ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «هي مواقيت» في محل نصب مقول القول.
وجملة: «ليس البرّ بأن تأتوا» في محلّ نصب معطوفة على جملة هي مواقيت . وجملة: «لكنّ البرّ من ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة ليس البرّ.
وجملة: «اتّقى» لا محلّ لها صلة الموصول (من) .
وجملة: «ائتوا البيوت» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «اتّقوا الله لا محلّ لها معطوفة على جملة ائتوا البيوت.
وجملة: «لعلّكم تفلحون» لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «تفلحون» في محلّ رفع خبر لعلّ.
الصرف:
(الأهلّة) ، جمع هلال، اسم جامد وأصله أهللة- بسكون الهاء وكسر اللام الأولى وفتح الثانية- ثمّ سكّنت اللام الأولى ونقلت حركتها إلى الساكن قبلها وأدغمت مع اللام الثانية، وزنه أفعلة.
(مواقيت) ، جمع ميقات، وفي الكلمة إعلال بالقلب أصله موقات بكسر الميم وسكون الواو لأنه من الوقت. جاءت الواو ساكنة بعد كسر قلبت ياء، وفي الجمع عادت الواو إلى أصلها، وزن مواقيت مفاعيل.
(الحجّ) ، مصدر سماعيّ لفعل حجّ يحجّ باب ضرب وزنه فعل بفتح الفاء وسكون العين، وقد يرد بكسر الفاء- كما سيأتي في الآية (97) من سورة آل عمران.
(تأتوا) ، فيه إعلال بالحذف بعد إعلال التسكين، وأصله تأتيوا بضمّ الياء، استثقلت الضمّة على الياء فنقلت حركتها إلى التاء وسكنّت، التقى ساكنان فحذفت الياء وأصبح تأتوا، وزنه تفعوا.
(البيوت) ، جمع البيت، اسم جامد للمسكن من شعر أو حجر أو مدر أو غيره، وزنه فعل بفتح فسكون، وثمّة جمع آخر هو أبيات ووزن بيوت فعول بضمّ الفاء.. (ظهور) ، جمع ظهر اسم جامد للعضو المعروف، وهو بلفظ المصدر وزنه فعل بفتح فسكون.. ووزن ظهور فعول بضمّ الفاء، وثمّة جمعان آخران هما أظهر بضمّ الهاء، وظهران بضمّ الظاء (الآية 101) .
(اتّقى) ، فيه إبدال وإعلال، أمّا الإبدال فهو في قلب فاء الكلمة- وهي الواو- تاء لمجيئها قبل تاء الافتعال، وأصله اوتقى. أمّا الإعلال فهو قلب لام الكلمة- وهي الياء- ألفا، أصله اتّقي بفتح الياء، جاءت الياء متحرّكة بعد فتح قلبت ألفا فأصبح اتّقى، وزنه افتعل.
(وأتوا) ، في الكلمة حذف همزة الوصل في أوّلها لتقدّم الواو عليها، أصله ائتوا، فلمّا جاءت الواو حذفت همزة الوصل ورسمت الهمزة بعد ذلك على ألف ... وفي الكلمة إعلال بالحذف جرى فيه مجرى تأتوا.
البلاغة
1- «وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى» .
فإن قلت: ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله.
قلت: هذا من الاستطراد في كتاب الله تعالى ومثله قوله تعالى «وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا..» إلى آخر الآية. فإنه تعالى بين عدم الاستواء بينهما إلى قوله «أجاج» وبذلك تم القصد في تمثيل عدم استواء الكافر والمسلم. ثم قوله «وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ» لا يتقرر به عدم الاستواء، بل المفاد به استواؤهما فيما ذكر، فهو من اجراء الله الكلام بطريق الاستطراد المذكور.
الفوائد
1- في هذه الآية وما تبعها من آيات يكثر تساؤل المسلمين عن أمور لها مساس في دينهم وهي من جوهر حياتهم الجديدة، يسألون رسولهم عن الأهلة ما شأنها؟ ما بال القمر يبدو هلالا، ثم يكبر حتى يستدير بدرا ثم يأخذ في التناقص حتى يختفي، ثم يسألونه ماذا ينفقون، وعن مقدار ما ينفقون ويسألونه عن القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام. ويسألونه عن الخمر والميسر وحكمهما ويسألونه عن المحيض وعن علاقة الرجال بالنساء في تلك الفترة.
ولهذه الأسئلة دلالة على تفتح الفكر ويقظة الحس الديني كما لها دلالة تاريخية على تطور الدعوة وما يواجهها من عقبات.
2- في هذه الآية وما يليها من آيات. تلاحظ تلك التعقيبات الهادفة والتي لها علاقة ماسة بموضوع الآية، وتذكر بتقوى الله. «وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» «وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» «وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» «وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى» «وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ»
فهذه التعقيبات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالشعائر التعبدية، والمشاعر القلبية والتشريعات التنظيمية وهي خاصة مطردة من خصائص القرآن الكريم.

النحاس

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ..} [189] وإن خَفّفتَ الهمزة ألقيتَ حركتها على السين وحَذفتَها فقلتَ: يسلُونَكَ وأهلة جَمْعُ هلال في القليل والكثير وكان يجب أن يقالَ في الكثير: هُللٌ فاستثقلوا ذلك كما استثقلوه في كِساء ورِداء من المعتل {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ} ابتداء وخبر، الواحد ميقات انقلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلَها وهي ساكنة ولم تنصرف مواقيت عند البصريين لأنها جَمْعٌ وهو جمع لا يجمع ولا نظير له في الواحد وقال الفراء لم تنصرف لأنها غاية الجمع. {لِلنَّاسِ} خفض باللام، {وَٱلْحَجِّ} عطف عليه هذه لغة أهل الحجاز وأهل نجد يقولون الحِجّ بكسر الحاء فالفتح على المصدر والكسر على أنه اسم والحَجّةُ بفتح الحاء المرة الواحدة والحِجّة عمل سنة ومنه ذو الحِجّة ويقال للسنة أيضاً حِجّة كما قال: وقَفْتُ بِهَا من بَعْدِ عشرينَ حِجّةً * فَلأياً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهّمِ {وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ} ولا يجوز نصب البِرّ لأن الباء إنما تدخل في الخبر ويقال: بِيُوت بالكسر وهي لغة رديئة لأنه يخالف الباب وجازت على أنْ تبدلَ من الضمة كسرة لمجاورتها الياء. {وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ}. قال أبو جعفر: قد ذكرناه والتقدير من اتقى ما نُهِيَ عنه

دعاس

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
«يَسْئَلُونَكَ» فعل مضارع والواو فاعل والكاف مفعول به. «عَنِ الْأَهِلَّةِ» جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما والجملة مستأنفة. «قُلْ» فعل أمر والفاعل أنت والجملة مستأنفة. «هِيَ» مبتدأ. «مَواقِيتُ» خبره والجملة مقول القول. «لِلنَّاسِ» متعلقان بمحذوف صفة لمواقيت. «وَالْحَجِّ» معطوف على الناس وجملة «قُلْ» مستأنفة. «وَلَيْسَ» الواو استئنافية ليس فعل ماض ناقص. «الْبِرُّ» اسمها. «بِأَنْ» الباء حرف جر زائد أن حرف مصدري ونصب. «تَأْتُوا» فعل مضارع منصوب بحذف النون والواو فاعل وأن وما بعدها في تأويل مصدر في محل نصب خبر ليس. «الْبُيُوتَ» مفعول به. «مِنْ ظُهُورِها» متعلقان بالفعل قبلهما.
«وَلكِنَّ» الواو عاطفة لكن حرف مشبه بالفعل. «الْبِرُّ» اسمها. «مِنْ» اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر لكن. «اتَّقى » فعل ماض والفاعل هو والجملة صلة الموصول. «وَأْتُوا» الواو عاطفة أتوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة معطوفة. «الْبُيُوتَ» مفعول به. «مِنْ أَبْوابِها» جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. «وَاتَّقُوا اللَّهَ» فعل أمر وفاعل ولفظ الجلالة مفعول به والجملة معطوفة. «لَعَلَّكُمْ» لعل واسمها. «تُفْلِحُونَ» فعل مضارع وفاعل والجملة خبر ، والجملة الاسمية حالية.

مشكل إعراب القرآن للخراط

{ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الباء في "بأن تأتوا" زائدة، والمصدر المؤول خبر ليس، وجملة "ليس البر" مستأنفة، وجملة "ولكن البر من اتقى" معطوفة على جملة "ليس البر بأن تأتوا". وقوله "مَنْ" خبر "لكن" على تقدير حذف المضاف أي: بِرُّ مَنْ. وجملة "لعلكم تفلحون" استئنافية لا محل لها.