شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡيَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ

إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش

[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 185]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) اللغة:
(الصِّيامُ) في اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير، وله مصدران: صوم وصيام، وصامت الريح:
ركدت، وصامت الشمس: كبدت أي كانت في كبد السماء، وصامت الدّابّة: أمسكت عن الجري، قال النابغة الذبياني:
خيل صيام وخيل غير صائمة ... تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
أي ممسكة عن الجري ثم خصّصه الإسلام بالمعنى المعروف له.
(رمضان) : في الأصل مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء، فأضيف إليه وجعل علما ومنع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، والمناسبة بين معناه وعبادة الصائم واضحة والعرب يضيفون لفظ شهر الى كل من أسماء الشهر المبتدئة براء كربيع ورمضان ولم يستثن من ذلك سوى رجب فلا يضيفون اليه لفظ شهر وقد نظم بعضهم ذلك فقال:
ولا تضف شهرا الى اسم شهر ... إلّا لما أوّله الرّا فادر
واستثن منه رجبا فيمتنع ... لأنه فيما رووه قد سمع
والمسألة على كل حال خلافية فعليك بالأحوط.

الإعراب:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تقدم إعرابها (كُتِبَ) فعل ماض مبني على الفتح وهو مبني للمجهول أي فرض (عَلَيْكُمُ) الجار والمجرور متعلقان بكتب (الصِّيامُ) نائب فاعل كتب (كَما كُتِبَ) تقدم إعرابها، والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف أو حال كما اختاره سيبويه (عَلَى الَّذِينَ) الجار والمجرور متعلقان بكتب (مِنْ قَبْلِكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول وجملة النداء وما تلاها مستأنفة مسوقة لبيان مشروعية الصيام (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) جملة الرجاء حالية وجملة تتقون خبر لعل (أَيَّاماً) ظرف متعلق بالصيام في الظاهر ولكن فيه فصلا بين المصدر وصلته، وقد منع النحاة ذلك، ولهذا نرجح نصبه بفعل محذوف يدل عليه ما قبله والتقدير صوموا أياما (مَعْدُوداتٍ) صفة للأيام وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم، والتنوين يفيد القلة تسهيلا على المكلفين (فَمَنْ) الفاء الفصيحة ومن اسم شرط جازم مبتدأ (كانَ) فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط واسمها ضمير مستتر تقديره هو (مِنْكُمْ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال (مَرِيضاً) خبر كان (أَوْ) حرف عطف (عَلى سَفَرٍ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف معطوف على «مريضا» والاستعلاء جميل هنا أي مستعليا على السفر مليا به، فهو حال أيضا (فَعِدَّةٌ) الفاء رابطة لجواب الشرط وعدة مبتدأ خبره محذوف أي فعليه عدة، أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره فالحكم عدة، والجملة الاسمية المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر من (مِنْ أَيَّامٍ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لعدة (أُخَرَ) صفة لايام وعلامة جره الفتحة لانه ممنوع من الصرف، وسيأتي حكمه في باب الفوائد (وَعَلَى الَّذِينَ) الواو عاطفة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم (يُطِيقُونَهُ) فعل مضارع والواو فاعل والهاء مفعول به والجملة لا محل لها لانها صلة الموصول أي يتكلفونه بجهد ومشقة (فِدْيَةٌ) مبتدأ مؤخر (طَعامُ مِسْكِينٍ) بدل مطابق من فدية ومسكين مضاف اليه (فَمَنْ) الفاء استئنافية ومن اسم شرط جازم مبتدأ (تَطَوَّعَ) فعل ماض وهو فعل الشرط وفاعله مستتر تقديره هو (خَيْراً) منصوب بنزع الخافض أي بالزيادة على القدر المذكور في الفدية، ولك أن تعربه صفة لمصدر محذوف فهو مفعول مطلق نابت عنه صفته أي تطوعا خيرا (فَهُوَ) الفاء رابطة لجواب الشرط لانه جملة اسمية، وهو مبتدأ (خَيْرٌ) خبر (لَهُ) الجار والمجرور متعلقان بخير لانه اسم تفضيل ورد على غير القياس، والجملة الاسمية المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر من (وَأَنْ تَصُومُوا) الواو استئنافية مسوقة لتقرير الافضلية، وأن وما في حيزها في تأويل مصدر مبتدأ (خَيْرٌ) خبره (لَكُمْ) الجار والمجرور متعلقان بخير (أَنْ) شرطية (كُنْتُمْ) فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها (تَعْلَمُونَ) الجملة الفعلية في محل نصب خبر كنتم، وجواب الشرط محذوف، وقد تقدمت نماذج له، والجملة الشرطية تفسيرية للخبرية كأنه قال: شرع لكم هذه الاحكام جميعها إيثارا لخيركم، فإن شئتم الخير فافعلوها ولا تخلوا بها (شَهْرُ رَمَضانَ) خبر لمبتدأ محذوف ورمضان مضاف اليه (الَّذِي) صفة لشهر (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) الجملة الفعلية لا محل لها لانها صلة الموصول، والقرآن نائب فاعل (هُدىً)
حال أي هاديا (لِلنَّاسِ) الجار والمجرور متعلقان بهدى أو صفة لهدى (وَبَيِّناتٍ) عطف على هدى فهو حال أيضا (مِنَ الْهُدى) صفة لبينات (وَالْفُرْقانِ) عطف على الهدى، أي الفارق بين الحق والباطل (فَمَنْ) الفاء الفصيحة أي إذا شئتم معرفة حكم التشريع فيه، ومن اسم شرط جازم مبتدأ (شَهِدَ) فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله مستتر يعود على من (مِنْكُمُ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال (الشَّهْرَ) منصوب على الظرفية ولا يكون مفعولا به لانه المقيم والمسافر كلاهما شاهد للشهر (فَلْيَصُمْهُ) الفاء رابطة لجواب الشرط لان الجملة طلبية واللام لام الأمر ويصم فعل مضارع مجزوم باللام والهاء ضمير الظرف ولا ينصب على الظرفية ولا يجوز أن يكون مفعولا به فهو منصوب بنزع الخافض أي فليصم فيه والجملة الطلبية في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر من (وَمَنْ) الواو عاطفة من اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ (كانَ) فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط واسمها ضمير مستتر تقديره هو (مَرِيضاً) خبر كان (أَوْ عَلى سَفَرٍ) عطف على «مريضا» وقد تقدم القول به فجدد به عهدا (فَعِدَّةٌ) الفاء رابطة لجواب الشرط وعدة
مبتدأ خبره محذوف أي فعليه عدة، والجملة في محل جزم جواب الشرط (مِنْ أَيَّامٍ) متعلقان بمحذوف صفة لعدة (أُخَرَ) صفة لايام مجرور بالفتح لانه ممنوع من الصرف وسيأتي حكمه (يُرِيدُ اللَّهُ) فعل مضارع وفاعله والجملة لا محل لها لانها تعليل كما سيأتي في باب البلاغة (بِكُمُ) الجار والمجرور متعلقان بيريد (الْيُسْرَ) مفعول به (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) الجملة عطف على سابقتها (وَلِتُكْمِلُوا) الواو عاطفة واللام لام التعليل، تكلموا فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعدها واللام ومجرورها متعلقان بفعل محذوف أي شرع (الْعِدَّةَ) مفعول به (وَلِتُكَبِّرُوا) عطف على قوله لتكملوا (اللَّهُ) نصب لفظ الجلالة على نزع الخافض أي لله ولك أن تعربه مفعولا به على تضمين تكبروا معنى تحمدوا والدليل عليه قوله (عَلى ما هَداكُمْ) فالتعدي بالاستعلاء لا يكون إلا للحمد وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بعلى، والجار والمجرور متعلقان بتكبروا أي على هدايته إياكم (وَلَعَلَّكُمْ) عطف على ما تقدم ولعل واسمها (تَشْكُرُونَ) الجملة خبر لعل.

البلاغة:
اللف والنشر، في قوله تعالى «يريد الله بكم اليسر» إلخ.. وهو يبدو هنا كأخذة السحر لا يملك معه البليغ أن يأخذ أو يدع وقلّ من ينتبه له، فقوله: «لتكملوا العدة» علة للأمر بمراعاة العدة، وقوله: «ولتكبروا الله» علة للأمر بالقضاء، وقوله: «ولعلكم تشكرون» علة للترخيص والتيسير، وقد تقدم القول فيه، ونزيده بسطا فنقول:
انه ضربان: أولهما أن يكون النشر على ترتيب اللف، وثانيهما أن يكون على غير ترتيب اللف، ويعتمد فيه على ذكاء السامع وذوقه، وسيأتي منه ما يخلب العقول.

الفوائد:
(أُخَرَ) تكون على نوعين:
- جمع أخرى تأنيث آخر وهي اسم تفضيل لا ينصرف لعلتين هما الوصفية والعدل، ومعنى العدل أنه عدل عن الالف واللام، وذلك أنها اسم تفضيل ولاسم التفضيل ثلاث حالات:
آ- مقترن بأل.
ب- مقترن بمن الجارة.
ج- مضاف.
ولما كانت أخر لم تقترن بشيء وليست مضافة قدر عدلها عن الالف واللام.
- جمع أخرى بمعنى آخرة وهي منصرفة لفقدان علة العدل. مناقشة لا بد منها:
اختلف المفسرون في تأويل قوله تعالى: «وعلى الذين يطيقونه» إلخ اختلافا شديدا لا يتسع المجال للاسهاب فيه، فنقتبس ما قالوه بطريق الإلماع، ثم ندلي بما عنّ لنا والله الملهم الى السّداد.

القول بالنسخ:
فمنهم من قال: ان الحكم فيها منسوخ بالآية بعدها «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» والرخصة فيها للمريض والمسافر، وهو ما اختاره الامام الطّبري في تفسيره الكبير ونقله الزمخشري في كشافه وأبو حيان في البحر، مع التصريح بأن هذا قول أكثر المفسرين، على أن الامام الطّبري نقل كذلك قول من قالوا، لم ينسخ ذلك وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الاية الى قيام الساعة.

رأي ابن كثير:
واحترز ابن كثير فقال بعد تلخيص أقوال المفسرين قبله: فحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بايجاب الصيام عليه، وأما الشيخ الفاني الهرم الذي لا يستطيع الصيام فله أن يفطر ولاقضاء عليه لأنه ليست له حال يصير إليها ويتمكن من القضاء.

الزمخشري متردّد:
وتردد الزمخشري بين القول بالنسخ وبين أن يكون تأويل الاية على تقدير: «ومن يتكلفونه على جهد منهم وعسر، وهم الشيوخ والعجائز، وحكم هؤلاء الإفطار والفدية» وهو على هذا الوجه غير منسوخ.

ومشكلة زيادة لا:
على أن القائلين بعدم النسخ ذهبوا في تأويل الآية مذاهب شتى، فمنهم من صرح بأنها على تقدير حذف «لا» النافية، وهي مرادة، ونقلوا عن ابن عباس قوله: «لا رخصة الا للذي لا يطيق الصوم» ، وعن عطاء: «هو الكبير الذي لا يستطيع بجهد ولا بشيء من الجهد، وأما من استطاع بجهد فليصم ولا عذر له في تركه» ، وقال ابو حيان في البحر: «وجوز بعضهم أن تكون «لا» محذوفة فيكون الفعل منفيا وتقديره: «وعلى الذين لا يطيقونه» حذف «لا» وهي مرادة.

أبو حيان يخطّىء القائلين بالحذف:
واستطرد أبو حيان معقبا فقال: «وتقدير «لا» خطأ. لانه مكان اليأس، وعلى ذلك درج الجلال» .

الفقهاء لا يختلفون في جواز الفطر للشيخ والمريض:
ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في جواز الفطر والفدية للشيخ الهرم والمريض الذي لا يرجى برؤه، لكنهم اختلفوا في المرضع والحامل قياسا على الشيخ الهرم فالإمام الشافعي قال بالفدية قياسا على الشيخ الهرم، وأوجب عليهما القضاء مع الفدية أما الامام أبو حنيفة فأوجب على الحامل والمرضع- إذا خافتا على الوليد- القضاء لا الفدية، وأبطل القياس على الشيخ الهرم لانه لا يجب عليه القضاء. نستبعد حذف لا:
على أننا نستبعد أن تكون لا محذوفة هنا وهي مرادة، فالآية من آيات التشريع والأحكام، والفعل فيها مثبت، وتأويلها على تقدير «لا» محذوفة ينقض الإثبات بالنفي ولو كانت الفدية على من لا يطيقونه لأخذ حرف النفي مكانه في نص الحكم الشرعي، ولم يدع لنا مجالا للاختلاف على تأويله بين النقيضين من اثبات ونفي أما الطاقة فهي في العربية أقصى الجهد ونهاية الاحتمال واستعمال القرآن الطاقة اسما وفعلا يؤذن بأنها مما يستنفد الجهد وطاقة الاحتمال، كما تشهد بذلك آياتها الثلاث، وكلها من سورة البقرة.
1- «قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده» .
2- «ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به» .
3- «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين» .
فندرك أن الأمر في احتمال الصوم إذا جاوز الطاقة، وخرج الى ما لا يطاق سقط التكليف لانه لا تكليف شرعا بما لا يطاق، والله سبحانه لا يكلف نفسا الا وسعها.
3- قد يشرب العرب لفظا معنى لفظ، فيعطى حكمه ويسمى ذلك تضمينا، كما ضمن «لتكبدوا» معنى «تحمدوا» ومنه قول الفرزدق:
كيف تراني قالبا مجني؟ ... قد قتل الله زيادا عنّي
فضمن «قتل» معنى «صرف» «الصرف» وذلك كثير في كلامهم.

التبيان في إعراب القرآن

قَالَ تَعَالَى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ (185)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (شَهْرُ رَمَضَانَ) : فِي رَفْعِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: هِيَ شَهْرٌ يَعْنِي الْأَيَّامَ الْمَعْدُودَاتِ ; فَعَلَى هَذَا يَكُونُ: (الَّذِي أُنْزِلَ) : نَعْتًا لِلشَّهْرِ أَوْ لِرَمَضَانَ. وَالثَّانِي: هُوَ مُبْتَدَأٌ، ثُمَّ فِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الَّذِي أُنْزِلَ، وَالثَّانِي: أَنَّ الَّذِي أُنْزِلَ صِفَةٌ وَالْخَبَرُ هُوَ الْجُمْلَةُ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ: فَمَنْ شَهِدَ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ خَبَرًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْفَاءُ ; لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ لَا يُشْبِهُ الشَّرْطَ قِيلَ الْفَاءُ عَلَى قَوْلِ الْأَخْفَشِ زَائِدَةٌ، وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ لَيْسَتْ زَائِدَةً ; وَإِنَّمَا دَخَلَتْ لِأَنَّكَ وَصَفْتَ الشَّهْرَ بِالَّذِي فَدَخَلَتِ الْفَاءُ كَمَا تَدْخُلُ فِي خَبَرِ نَفْسِ الَّذِي ; وَمِثْلُهُ: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ» .
فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ مِنَ الْجُمْلَةِ؟ .
قِيلَ: وُضِعَ الظَّاهِرُ مَوْضِعَهُ تَفَخُّمًا ; أَيْ فَمَنْ شَهِدَهُ مِنْكُمْ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَا أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتُ شَيْءٌ بَغَّضَ الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرَا.
أَيْ لَا يَسْبِقُهُ شَيْءٌ. وَمَنْ هُنَا شَرْطِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ ; وَمَا بَعْدَهَا الْخَبَرُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، فَيَكُونُ الْخَبَرُ فَلْيَصُمْهُ.
وَ (مِنْكُمْ) : حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ ; وَمَفْعُولُ شَهِدَ مَحْذُوفٌ أَيْ شَهِدَ الْمِصْرَ. وَ (الشَّهْرَ) : ظَرْفٌ، أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى السِّعَةِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: فَمَنْ شَهِدَ هِلَالَ الشَّهْرِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ الصَّحِيحِ وَالَّذِي يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ الْحَاضِرُ بِالْمِصْرِ إِذَا كَانَ صَحِيحًا.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: هِلَالُ الشَّهْرِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الشَّهْرُ مَفْعُولًا بِهِ صَرِيحًا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْهِلَالِ. وَهَذَا ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا قَدَّمْنَا مِنْ لُزُومِ الصَّوْمِ عَلَى الْعُمُومِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ شَهِدَ بِمَعْنَى حَضَرَ، وَلَا يُقَالُ حَضَرْتُ هِلَالَ الشَّهْرِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ شَاهَدْتُ الْهِلَالَ وَالْهَاءُ فِي (فَلْيَصُمْهُ) : ضَمِيرُ الشَّهْرِ، وَهِيَ مَفْعُولٌ بِهِ عَلَى السِّعَةِ، وَلَيْسَتْ ظَرْفًا، إِذْ لَوْ كَانَتْ ظَرْفًا لَكَانَتْ مَعَهَا فِي ; لِأَنَّ ضَمِيرَ الظَّرْفِ لَا يَكُونُ ظَرْفًا بِنَفْسِهِ.
وَيُقْرَأُ «شَهْرُ رَمَضَانَ» بِالنَّصْبِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) وَالثَّانِي: عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي (شَهْرَ) .
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِـ (تَعْلَمُونَ) ; أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ شَرَفَ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ شَهْرِي رَمَضَانَ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) : فَالْمَعْنَى فِي فَضْلِهِ، كَمَا تَقُولُ أُنْزِلَ فِي الشَّيْءِ آيَةٌ.
وَقِيلَ: هُوَ ظَرْفٌ ; أَيْ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا.
وَ (هُدًى) ; وَ (بَيِّنَاتٍ) : حَالَانِ مِنَ الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) : الْبَاءُ هُنَا لِلْإِلْصَاقِ ; وَالْمَعْنَى يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ بِكُمُ الْيُسْرَ فِيمَا شَرَعَهُ لَكُمْ وَالتَّقْدِيرُ: يُرِيدُ اللَّهُ بِفِطْرِكُمْ فِي حَالِ الْعُذْرِ الْيُسْرَ.
(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْيُسْرِ ; وَالتَّقْدِيرُ: لِأَنْ تُكْمِلُوا. وَاللَّامُ عَلَى هَذَا زَائِدَةٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) [الْمَائِدَةِ: 6] .
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: لِيُسَهِّلَ عَلَيْكُمْ وَلِتُكْمِلُوا وَقِيلَ: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ فَعَلَ ذَلِكَ.

الجدول في إعراب القرآن

[سورة البقرة (2) : آية 185]
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
الإعراب:
(شهر) خبر لمبتدأ محذوف تقديره تلك الأيام ، (رمضان) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة لامتناعه من الصرف للعلميّة وزيادة الألف والنون (الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع نعت لشهر، أو لرمضان فيكون في محلّ جرّ (أنزل) فعل ماض مبنيّ للمجهول (في) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (أنزل) ، (القرآن) نائب فاعل مرفوع (هدى) حال منصوبة وعلامة النصب الفتحة المقدّرة (للناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لهدى (بيّنات) معطوفة على هدى بالواو منصوب مثله وعلامة النصب الكسرة (من الهدى) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لبيّنات وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف (الفرقان) معطوف على الهدى بالواو مجرور مثله (الفاء) عاطفة (من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ (شهد) فعل ماض مبنيّ على الفتح في محلّ جزم فعل الشرط.. والفاعل هو (من) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من ضمير شهد (الشهر) مفعول به منصوب على حذف مضاف أي دخول ) على زيادة الفاء في الخبر لأن المبتدأ وصف بما يحمل معنى الشرط وهو (الذي) . [..... الشهر، (الفاء) رابطة لجواب الشرط (اللام) لام الأمر الجازمة (يصم) مضارع مجزوم و (الهاء) ضمير في محلّ نصب مفعول فيه ، لأنه ضمير الظرف أي ليصم أيّامه. (الواو) عاطفة (من كان مريضا ... أخر) مرّ إعرابها (يريد) مضارع مرفوع (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (بكم) مثل منكم متعلّق ب (يريد) ، (اليسر) مفعول به منصوب (الواو) عاطفة (لا) نافية (يريد بكم العسر) مثل المتقدّمة (الواو) عاطفة (اللام) للتعليل (تكملوا) مضارع منصوب ب (أن) مضمرة بعد اللام وعلامة النصب حذف النون ... والواو فاعل (العدّة) مفعول به منصوب به (الواو) عاطفة (لتكبّروا) مثل لتكملوا ومعطوف عليه (الله) لفظ الجلالة مفعول به....
والمصدر المؤوّل (أن تكملوا ... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بفعل محذوف معطوف على قوله يريد بكم اليسر ... أي ويعينكم لإكمال العدّة.
(على) حرف جرّ (ما) حرف مصدريّ ، (هدى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر و (كم) ضمير مفعول به والفاعل ضمير مستتر تقديره هو.
والمصدر المؤوّل (ما هداكم) في محلّ جرّ بحرف الجرّ متعلّق ب (تكبّروا) بتضمينه معنى تحمدوه على هدايته لكم. (الواو) عاطفة (لعلّ) حرف مشبّه بالفعل للترجّي و (كم) ضمير في محلّ نصب اسم لعلّ، (تشكرون) مضارع مرفوع ... والواو فاعل.
جملة: «شهر رمضان» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «أنزل فيه القرآن» لا محلّ لها صلة الموصول (الذي) .
وجملة: «من شهد ... » لا محلّ لها معطوفة على الجملة الاستئنافيّة.
وجملة: «شهد منكم الشهر» في محلّ رفع خبر المبتدأ (من) .
وجملة: «يصمه» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «يريد الله ... » لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «لا يريد بكم العسر» لا محلّ لها معطوفة على التعليليّة.
وجملة: «تكملوا العدّة» لا محل لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) .
وجملة: «تكبّروا الله» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) الثاني.
وجملة: «لعلّكم تشكرون» لا محلّ لها تعليليّة ومعطوفة بالتعليل على المصادر المؤوّلة.
وجملة: «تشكرون» في محلّ رفع خبر لعلّ.
الصرف:
(رمضان) ، علم جنس مشتقّ من الرمض وهو الاحتراق، وزنه فعلان بفتح الفاء والعين.
(القرآن) ، في الأصل مصدر قرأ بمعنى جمع أو من القراءة، ثمّ أصبح علما للكتاب المنزل، وزنه فعلان بضمّ فسكون. (الفرقان) ، هنا مصدر فرق يفرق باب نصر وباب ضرب، وقد يطلق صفة على القرآن فيصبح صفة لعلم. وزنه فعلان بضمّ الفاء (انظر الآية 53 من هذه السورة) .
(الشهر) ، اسم للمدّة الزمنية بين هلالين أو اسم للهلال نفسه، وزنه فعل بفتح فسكون.
(يصمه) ، فيه إعلال بالحذف لمناسبة الجزم أصله يصومه بتسكين الواو والميم، فلمّا التقى ساكنان حذف حرف العلّة وزنه يفله.
(اليسر) ، مصدر سماعيّ لفعل يسر ييسر باب كرم، وزنه فعل بضمّ الفاء.
(العسر) مصدر سماعيّ لفعل عسر يعسر باب فرح وباب كرم وزنه فعل بضمّ الفاء.
(هداكم) ، فيه إعلال بالقلب، أصله هدي بتحريك الياء، فلمّا تحرّكت الياء بعد فتح قلبت ألفا (انظر الآية 2 من هذه السورة) .
البلاغة
اللف والنشر: في قوله «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ» إلخ. فقوله «لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» علة للأمر بمراعاة العدة، وقوله «وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ» علة للأمر بالقضاء، وقوله: «وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» للترخيص والتيسير.

النحاس

{شَهْرُ رَمَضَانَ..} [185] حُكِيَتْ فيه ستة أوجه {شَهْرُ رَمَضَانَ} قراءة العامة، وقرأ مجاهد وشَهر ابن حوشب {شَهرَ رَمَضَانَ} بالنصب وحُكِي عن الحسن وأبي عمرو ادغام الراء في الراء وهذا لا يجوز لئلا يجتمع ساكنان، والقراءة الرابعة الاخفاء والوجه الخامس أنْ تقلبَ حَرَكَةَ الراء على الهاء فتضم الهاء، وهذا قولُ الكوفيين كما قال امروء القيس: فَمَنْ كانَ يَنْسَانا وحُسنَ بَلائِنا * فليسَ بِنَا سِينَا على حالةٍ بَكُرْ ويجوز "شَهَر رمضَانَ" من جهتين: احداهما على قراءة من نصب فقلب حركة الراء على الهاء، والأخرى على لغة من قال لَحْم ولَحَم ونَهْر ونَهَرَ "شَهرُ رمضانَ" رفع بالابتداء وخبره {ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ} ويجوز أن يكونَ شهرُ مرفوعاً على اضمار ابتداء، والتقدير المفترض عليكم صومهُ شهرُ رمضانَ أو ذلك شهرُ رمضانَ أو الصوم او الايامِ. ورمضانُ لا ينصرف لأن النون فيه زائدة. ونصبُ شهر رمضان شاذّ وقد قِيلَ فيه أقوال: قال الكسائي: المعنى كُتِبَ عليكم الصيام وأن تَصُومُوا شهرَ رمضانَ. قال الفراء: أي كُتِبَ عليكم الصيام أي أن تَصُومُوا شهرَ رمضانَ. قال أبو جعفر: لا يجوز أن تنصب شهرَ رمضانَ بتصوموا لأنه يدخل في الصلة ثم يُفَرقُ بَينَ الصلةِ والموصول وكذا إن نَصَبْتَهُ بالصيام، ولكن يجوز أن تنصبَهُ على الاغراء أي الزموا شهرَ رمضانَ وصوموا شهرَ رمضانَ. وهذا بعيد أيضاً لأنه لم يتقدم ذِكر الشهر فَيُغرى به. {هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ} في موضع نصب على الحال من القرآن والقرآن اسم ما لم يُسَمَّ فاعله {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ} يقال: ما الفائدة في هذا والحاضر والمسافر يشهدانِ الشهر؟ فالجواب أن الشهر ليس بمفعول وإنما هو ظرف زمان والتقدير فمن شَهِدَ منكم المصر في الشهر، وجواب آخر أن يكون التقدير فمن شهد منكم الشهر غير مسافرٍ ولا مريضٍ {فَلْيَصُمْهُ} وقرأ الحسن {فَلِيَصُمْهُ} وكان يكسر لام الأمر كانت مبتدأةً أو كانَ قَبلَها شيء وهو الأصل ومَنْ أسكن حذفَ الكسرة لأنها ثقيلة. {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ} اسم "كان" فيها مضمر "ومَرِيضاً" خبره "أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ" عطف أي أو مسافراً {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ} واليُسْرُ واليُسُرُ لغتان وكذا العُسْرُ والعُسُرُ {وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ} فيه خمسة أقوال. قال الأخفش: هو معطوف أي ويريد ولتكملوا العدة كما قال: {يُرِيدونَ لِيُطفِئوا نور الله بأفواهِهِم}، وقال غيره: يريد الله هذا التخفيف لِتُكملوا العدة، وقِيلَ الواو مقحمة، وقال الفراء: المعنى ولتكملوا العِدّةَ فَعَل هذا. قال أبو جعفر: وهذا قولٌ حَسَنٌ ومِثْلُهُ {وكذلِكَ نُرِي إبراهيمَ مَلكوتَ السمواتِ والأرضِ وليكون من المُوقِنينَ} أي وليكونَ من الموقنين فعلنا ذلك، والقول الخامس ذكره أبو اسحاق ابراهيم بن السري قال: هو محمول على المعنى والتقدير فَعَلَ الله ذلك لِيُسهّلَ عليكم ولِتُكملُوا العدة. قال: ومثله ما أنشده سيبويه: بادَتْ وغَيّر آيَهُنَّ معَ البِلى * إلاّ رواكِدَ جَمرهنَّ هَبَاءُ ومُشجَّجٌ أما سواءُ قَذالِهِ * فبدا وغير سَارَه المِعْزاءُ لأن معنى: بادت إلاّ رواكد بها رواكدُ فكأنه/ 21 ب/ قال: وبها مُشجَّج أو ثَمَّ مُشَجّج، وقرأ الحسن وقتادة والعاصمان والاعرج {وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ} واختار الكسائي {وَلِتُكْمِلُواْ} لقوله {اليوم أكملت لكم دِينكم}. قال أبو جعفر: هما لغتان بمعنى واحد كما قال {فمهّلِ الكافرينَ أمْهِلْهُم رويداً} ولا يجوز ولتكملُوا باسكان اللام والفرق بين هذا وبين ما تقدم أن التقدير ولأن تُكْمِلُوا العدة فلا يجوز حذف أنْ والكسرة {وَلِتُكَبِّرُواْ} عطف عليه.

دعاس

شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
«شَهْرُ» خبر لمبتدأ محذوف تقديره : هو. «رَمَضانَ» مضاف إليه مجرور. «الَّذِي» اسم موصول في محل رفع صفة. «أُنْزِلَ» فعل ماض مبني للمجهول. «فِيهِ» متعلقان بأنزل. «الْقُرْآنُ» نائب فاعل والجملة صلة الموصول. «هُدىً» حال منصوبة بالفتحة المقدرة على الألف المحذوفة وتقديره : هاديا.
«لِلنَّاسِ» متعلقان بهدى. «وَبَيِّناتٍ» عطف على هدى. «مِنَ الْهُدى » متعلقان ببينات. «وَالْفُرْقانِ» عطف على الهدى. «فَمَنْ» الفاء استئنافية من شرطية مبتدأ. «شَهِدَ» فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والفاعل مستتر. «مِنْكُمُ» متعلقان بمحذوف حال. «الشَّهْرَ» مفعول به وقيل ظرف زمان.
«فَلْيَصُمْهُ» الفاء رابطة لجواب الشرط يصم فعل مضارع مجزوم بلام الأمر والهاء ضمير في محل نصب بنزع الخافض أي : فليصم فيه ، والجملة في محل جزم جواب الشرط ، وفعل الشرط وجوابه خبر المبتدأ من.
«وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» ينظر إلى الآية السابقة. «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ» فعل مضارع ولفظ الجلالة فاعل واليسر مفعول به والجار والمجرور بكم متعلقان بالفعل يريد. «وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ» معطوفة على الجملة قبلها. «وَلِتُكْمِلُوا» الواو عاطفة اللام لام التعليل تكملوا فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد لام التعليل وعلامة نصبه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وإن المضمرة وما بعدها في تأويل مصدر في محل جر باللام. ، والجار والمجرور معطوفان على ما قبلهما. «الْعِدَّةَ» مفعول به.
«وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ» إعرابها مثل ولتكملوا العدة ومعطوفة عليها. «عَلى ما هَداكُمْ» ما مصدرية هداكم فعل ماض والفاعل هو يعود على اللّه والكاف مفعول به وما المصدرية مع الفعل في تأويل مصدر في محل جر بعلى ، وتقديره : على هدايتكم والجار والمجرور متعلقان بتكبروا. «وَلَعَلَّكُمْ» الواو عاطفة لعلكم لعل واسمها.
«تَشْكُرُونَ» فعل مضارع والواو فاعل والجملة خبر لعل. والجملة الاسمية لعلكم معطوفة.

مشكل إعراب القرآن للخراط

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } "شهر": مبتدأ مرفوع، خبره الاسم الموصول، و "هدى" حال من "القرآن" وجملة "فمن شهد" مستأنفة، وجملة "فليصمه" جواب الشرط، والهاء ضمير الظرف في محل نصب على نزع الخافض أي: فيه. وقوله "ولتكملوا": المصدر المؤول مجرور باللام متعلق بمحذوف تقديره: شرع. جملة "وشرع" المقدرة معطوفة على جملة "يريد" لا محل لها. جملة "ولعلكم تشكرون" معطوفة على المصدر "للتكبير"، من قبيل عطف الجملة على المفرد.