وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنۡعِقُ
بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآءٗ وَنِدَآءٗۚ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ
إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش
[سورة البقرة (2) : آية 171]
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171)
اللغة:
(يَنْعِقُ) النّعيق: هو التصويت مطلقا. قال الأخطل:
فانعق بضأنك يا جرير فإنّما ... منّتك أمّك في الخلاء ضلالا
ويقال: نعق المؤذن وسمعت نعقة المؤذن، وأما صوت الغراب فهو النغيق بالغين المعجمة.
الإعراب:
(وَمَثَلُ) الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لضرب المثل للكافرين في عبادتهم للأصنام، وقد شغلت هذه الآية المعربين والمفسرين، واختلفوا فيها اختلافا كثيرا وتبلغ الأوجه التي أوردوها أربعة نختار منها واحدا ونورد في باب البلاغة تفصيلها لأنها تكاد تكون متساوية الرجحان، ومثل مبتدأ (الَّذِينَ) مضاف اليه (كَفَرُوا) فعل وفاعل والجملة صلة الموصول، ولا بد من تقدير مضاف قبل الموصول أي مثل داعيهم الى الايمان أي مثل داعي الذين كفروا، بمعنى ان من يحاول هدايتهم بمثابة من يخاطب مالا يسمع، وإن سمع فهو لا يعقل شيئا مما يسمعه (كَمَثَلِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر (الَّذِي) اسم موصول مضاف اليه (يَنْعِقُ) فعل مضارع وفاعله هو، والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول (بِما) الجار والمجرور متعلقان بينعق (لا يَسْمَعُ) لا نافية ويسمع فعل مضارع والجملة الفعلية صلة ما (إِلَّا) أداة حصر (دُعاءً) مفعول به (وَنِداءً) عطف على دعاء (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) أخبار ثلاثة لمبتدأ محذوف أي هم (فَهُمْ) الفاء عاطفة وهم مبتدأ (لا يَعْقِلُونَ) الجملة الفعلية المنفية خبرهم.
البلاغة:
في هذه الآية فنون عديدة منها:
1- التشبيه التمثيلي فقد شبه من يدعو الكافرين الى الايمان
رغم لجاجتهم ومكابرتهم بمن ينعق بالبهائم التي لا تسمع إلا التصويت بها والزجر لها، فهو تشبيه صورة بصورة أو تشبيه متعدّد بمتعدّد، ويمكن اختصار الاوجه التي أوردها علماء البيان والنحو بما يلي:
أ- ان المثل مضروب لتشبيه الداعي والكافر بالناعق والمنعوق به.
ب- إن المثل مضروب لتشبيه الكافر في دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم له بالغنم المنعوق بها.
ج- ان المثل مضروب لتشبيه الكافر في دعائه الأصنام بالناعق على الغنم.
2- الاستعارة التصريحية في تشبيه الكافرين بالصم البكم العمي وحذف المشبه وإبقاء المشبه به.
3- الإيجاز في حذف مضاف تقديره: مثل داعي الذين كفروا، ولم يصرح بالداعي وهو الرسول تمشيا مع الأدب الرفيع في حسن التلطف بالخطاب، والتهذيب الذي يجب أن يتسم به الشعراء والكتّاب.
التبيان في إعراب القرآن
قَالَ تَعَالَى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : مَثَلُ مُبْتَدَأٌ، وَ (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) : خَبَرُهُ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ ; تَقْدِيرُهُ: دَاعِي الَّذِينَ كَفَرُوا ; أَيْ مَثَلُ دَاعِيهِمْ إِلَى الْهُدَى ; كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِالْغَنَمِ ; وَإِنَّمَا قُدِّرَ ذَلِكَ لِيَصِحَّ التَّشْبِيهُ، فَادَّعَى الَّذِينَ كَفَرُوا كَالنَّاعِقِ بِالْغَنَمِ، وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَالْغَنَمِ الْمَنْعُوقِ بِهَا. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمَّا أَرَادَ تَشْبِيهَ الْكُفَّارِ وَدَاعِيهِمْ، بِالْغَنَمِ وَدَاعِيهَا، قَابَلَ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ الْمَعْنَى.
وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِكَ إِيَّاهُمْ.
وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: مَثَلُ الْكَافِرِينَ فِي دُعَائِهِمُ الْأَصْنَامَ كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِالْغَنَمِ.
(إِلَّا دُعَاءً) : مَنْصُوبٌ بِـ (يَسْمَعُ) . وَإِلَّا قَدْ فَرَغَ قَبْلَهَا الْعَامِلُ مِنَ الْمَفْعُولِ.
وَقِيلَ إِلَّا زَائِدَةٌ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَسْمَعُ دُعَاءً، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمَعْنَى بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا صَوْتًا: (صُمٌّ) : أَيْ هُمْ صُمٌّ.
الجدول في إعراب القرآن
[سورة البقرة (2) : آية 171]
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171)
الإعراب:
(الواو) استئنافيّة (مثل) مبتدأ مرفوع (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (كفروا) فعل ماض وفاعله (كمثل) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر المبتدأ (الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه (ينعق) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو، وهو العائد (الباء) حرف جرّ (ما) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق ب (ينعق) ، (لا) نافية (يسمع) مثل ينعق (إلا) أداة حصر (دعاء) مفعول به منصوب (نداء) معطوف على دعاء بالواو منصوب مثله (صمّ) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم مرفوع (بكم) خبر ثان مرفوع (عمي) خبر ثالث مرفوع (الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب (هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (لا) نافية (يعقلون) مضارع مرفوع.
والواو فاعل.
جملة: «مثل الذين كفروا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «كفروا» لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) .
وجملة: «ينعق» لا محلّ لها صلة الموصول (الذي) .
وجملة: «لا يسمع» لا محلّ لها صلة الموصول (ما) .
وجملة: « (هم) صم» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «هم لا يعقلون» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة الاخيرة.
وجملة: «لا يعقلون» في محلّ رفع خبر المبتدأ هم.
الصرف:
(دعاء) ، مصدر دعا يدعو باب نصر، وفيه إبدال الواو همزة، أصله دعاو، جاءت الواو متطرفة بعد ألف ساكنة قلبت همزة، وهذا شأنها في كلّ لفظ كذلك.
(نداء) ، مصدر نادى الرباعيّ وهو مصدر سماعيّ، وفيه إبدال الياء همزة، جاءت الياء متطرّفة بعد ألف ساكنة قلبت همزة، وهذا شأنها أبدا في كلّ لفظ كذلك.
(صمّ، بكم، عمي) ، انظر الآية (18) من هذه السورة.
البلاغة
1- في الآية تشبيه تمثيلي: حيث مثل الذين كفروا فيما ذكر من انهماكهم فيما هم فيه وعدم التدبر فيما ألقي إليهم من الآيات كمثل بهائم الذي ينعق بها وهي لا تسمع منه إلا جرس النغمة ودوي الصوت. وقيل المراد تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته. فهو تشبيه صورة بصورة.
فقد شبه الكافرين لدى دعوة الرسول لهم بالغنم المنعوق بها. وقيل إنه شبه الداعي والكافر بالناعق والمنعوق.
2- الاستعارة التصريحية: في تشبيه الكافرين بالصم والبكم والعمي وحذف المشبه وإبقاء المشبه به.
النحاس
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ..} [171]
مبتدأ، وخبره {كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ} قال أبو جعفر: وقد تَقَصّينا معناه. {بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً} نصب بيسمع {وَنِدَآءً} عطف عليه. {صُمٌّ} أي هم صُمّ.
دعاس
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171)
«وَمَثَلُ» الواو استئنافية مثل مبتدأ. «الَّذِينَ» اسم موصول في محل جر بالإضافة. «كَفَرُوا» فعل ماض وفاعل والجملة صلة الموصول. «كَمَثَلِ» جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مبتدأ تقديره هو. «الَّذِي» اسم موصول في محل جر بالإضافة. «يَنْعِقُ» فعل مضارع والفاعل هو والجملة صلة الموصول لا محل لها. «بِما» جار ومجرور متعلقان بينعق. «لا» نافية. «يَسْمَعُ» فعل مضارع والفاعل هو والجملة صلة الموصول. «إِلَّا» أداة حصر. «دُعاءً» مفعول به. «وَنِداءً» معطوف. «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» ثلاثة أخبار لمبتدأ محذوف تقديره هم والجملة الاسمية حالية أو استئنافية. «فَهُمْ» الفاء عاطفة هم مبتدأ. «لا يَعْقِلُونَ» الجملة خبر المبتدأ.
مشكل إعراب القرآن للخراط
{ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ }
الجار "كمثل" متعلق بالخبر المقدر، والتقدير: مثلهم كائن كمثل. "صم": خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم، و "بكم" و"عمي" خبران آخران، وجملة "فهم لا يعقلون" معطوفة على جملة "هم صمٌّ" لا محل لها.