إِنَّ ٱلَّذِينَ
يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ
لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ
إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش
[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 160]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)
الإعراب:
(إِنَّ الَّذِينَ) إن واسمها (يَكْتُمُونَ) فعل مضارع مرفوع والواو فاعل، والجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة الموصول، وجملة إن وما في حيّزها مستأنفة مسوقة لبيان حكم من كتم شيئا من أحكام الدين بصورة عامة، وقد نزلت في حقّ اليهود الذين يجمجمون حبا للجدل والمكابرة، وخصوص السبب لا يمنع من عموم الحكم (ما) مفعول يكتمون (أَنْزَلْنا) فعل وفاعل والعائد محذوف أي أنزلناه، والجملة
لا محل لها لأنها صلة الموصول (مِنَ الْبَيِّناتِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال، أي حالة كونها مبينة شاهدة بالحقائق. وقد ألمعت الآية الى محاولة اليهود إخفاء بعض الآيات الدّالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو التي تصوّر عيوبهم وآثامهم التي يرتكبونها (وَالْهُدى) عطف على البينات (مِنْ بَعْدِ) الجار والمجرور متعلقان بيكتمون (ما بَيَّنَّاهُ) ما مصدرية وبيناه فعل وفاعل ومفعول. والمصدر المؤول في محل جر بالاضافة أي من بعد تبيانه (لِلنَّاسِ) الجار والمجرور متعلقان ببيناه (فِي الْكِتابِ) الجار والمجرور متعلقان ببيناه أيضا. وتعلق جار بفعل واحد عند اختلاف المعنى واللفظ جائز.
ولك أن تعلق «في الكتاب» بمحذوف حال من المفعول به أي كائنا في الكتاب (أُولئِكَ) اسم الاشارة مبتدأ (يَلْعَنُهُمُ) فعل مضارع والهاء مفعوله (اللَّهُ) فاعله والجملة الفعلية خبر اسم الاشارة (وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) عطف على الجملة السابقة، وجملة الاشارة الاسمية في محل رفع خبر إن (إِلَّا) أداة استثناء (الَّذِينَ) مستثنى من المفعول به أي الهاء في يلعنهم (تابُوا) فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها صلة (وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا) عطف على تابوا (فَأُولئِكَ) الفاء رابطة، لأن في الموصول رائحة الشرط، واسم الاشارة مبتدأ (أَتُوبُ) فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره أنا، وجملة أتوب خبر اسم الاشارة وجملة الاشارة استئنافية (عَلَيْهِمْ) متعلقان بأتوب (وَأَنَا) الواو عاطفة وأنا مبتدأ (التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) خبر ان لأنا والجملة معطوفة.
البلاغة:
1- التكرير في ذكر اللعن، والغاية منه التأكيد في الذم.
2- الالتفات في قوله «يلعنهم الله» وكان السياق يقتضي بأن
يقول نلعنهم، ولكنه التفت الى الغائب للدلالة على إظهار السخط عليهم، وليكون الكلام أوغل في إنزال اللعن عليهم، وإلحاق الطرد بهم.
التبيان في إعراب القرآن
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الْبَيِّنَاتِ) : «مِنَ» يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ ; لِأَنَّهَا حَالٌ مِنْ «مَا» أَوْ مِنَ الْعَائِدِ
الْمَحْذُوفِ ; إِذِ الْأَصْلُ مَا أَنْزَلْنَاهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ (أَنْزَلْنَا) عَلَى أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ. (مِنْ بَعْدِ) : مِنْ يَتَعَلَّقُ بِـ (يَكْتُمُونَ) ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِـ (أَنْزَلْنَا) لِفَسَادِ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْإِنْزَالَ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ التَّبْيِينِ، إِنَّمَا الْكِتْمَانُ بَعْدَ التَّبْيِينِ.
(فِي الْكِتَابِ) : فِي مُتَعَلِّقَةٌ بِـ (بَيَّنَّا) ، وَكَذَلِكَ اللَّامُ، وَلَمْ يَمْتَنِعْ تَعَلُّقُ الْجَارَّيْنِ بِهِ ; لِاخْتِلَافِ مَعْنَاهُمَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «فِي» حَالًا ; أَيْ كَائِنًا فِي الْكِتَابِ. (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ) : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ إِنَّ. (وَيَلْعَنُهُمُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى «يَلْعَنُهُمْ» الْأُولَى، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
الجدول في إعراب القرآن
[سورة البقرة (2) : آية 159]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159)
الإعراب:
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل (الذين) اسم موصول في محلّ نصب اسم إنّ (يكتمون) فعل مضارع مرفوع.. والواو فاعل (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به (أنزلنا) فعل ماض وفاعل، ومفعوله محذوف أي أنزلناه (من البيّنات) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول أنزلنا (الواو) عاطفة (الهدى) معطوف على البينات مجرور مثله وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة (من بعد) جارّ ومجرور متعلّق ب (يكتمون) ، (ما) حرف مصدري (بيّنا) مثل أنزلنا و (الهاء) مفعول به والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (للناس) جارّ ومجرور متعلّق ب (بيّنا) .
والمصدر المؤوّل (ما بيّناه) في محلّ جرّ مضاف إليه.
(في الكتاب) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول بيّناه..
أو ب (بيّنا) ، (أولاء) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ و (الكاف) حرف خطاب (يلعن) مضارع مرفوع و (هم) متّصل مفعول به (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (الواو) عاطفة (يلعنهم) مثل الأول (اللاعنون) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو.
جملة: «إنّ الذين يكتمون» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يكتمون» لا محلّ لها صلة الموصول (الذين) .
وجملة: «أنزلنا» لا محلّ لها صلة الموصول (ما) .
وجملة: «بيّنّاه» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي أو الاسمي.
وجملة: «أولئك يلعنهم الله» في محل رفع خبر إنّ.
وجملة: «يلعنهم الله» في محلّ رفع خبر المبتدأ (أولئك) .
وجملة: «يلعنهم اللاعنون» في محلّ رفع معطوفة على جملة يلعنهم الله.
الصرف:
(اللاعنون) ، جمع اللاعن اسم فاعل من لعن الثلاثيّ وزنه فاعل.
البلاغة
1- «يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ» أي يطردهم ويبعدهم من رحمته والالتفات إلى الغيبة بإظهار اسم الذات الجامع للصفات لتربية المهابة وإدخال الروعة والإشعار بأن مبدأ صدور اللعن عنه سبحانه هو صفة الجلال المغايرة لمبدأ الانزال والتبيين من وصف الجمال والرحمة.
2- وقد كرر ذكر اللعن، والغاية منه التأكيد في الذم.
النحاس
{إِنَّ ٱلَّذِينَ..} [159]
اسم "إنّ" وقرأ طلحةُ بنُ مُصرِفٍ {مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ} بمعنى بَيّنه الله {أُولَـٰئِكَ} مبتدأ {يَلعَنُهُمُ ٱللَّهُ} في موضع الخبر والجملة خبر "إنّ" ولعنه وطرده أي باعده من رحمته كما قال:
ذَعَرتُ بهِ القَطا ونَفيْتُ عنهُ * مَقَامَ الذِّئبِ كالرجُل اللّعِينِ
قال أبو جعفر: وقد بَيّنا معنى "وَيَلْعَنُهُمُ ٱللاَّعِنُونَ" لأن للقائل أن يقول: أهل دينهم لا يلعنونهم ومن أحسن ما قِيلَ فيه أنّ أهلَ دِينهم يلعنون على الحقيقة لأنهم يلعنونَ الظالمينَ وهم من الظالمين.
دعاس
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159)
«إِنَّ الَّذِينَ» إن واسم الموصول اسمها. «يَكْتُمُونَ» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة صلة الموصول. «ما» اسم موصول في محل نصب مفعول به. «أَنْزَلْنا» فعل ماض ونا فاعل والجملة صلة الموصول. «مِنَ الْبَيِّناتِ» متعلقان بمحذوف حال أي حالة كونها مبينة. «وَالْهُدى » معطوف على البينات. «مِنْ بَعْدِ» متعلقان بالفعل يكتمون. «ما بَيَّنَّاهُ» ما مصدرية بيناه فعل ماض ونا فاعل والهاء مفعول به والمصدر المؤول في محل جر بالإضافة. «لِلنَّاسِ» متعلقان بالفعل قبلهما. «فِي الْكِتابِ» متعلقان بالفعل بيناه. «أُولئِكَ» اسم إشارة مبتدأ. «يَلْعَنُهُمُ» فعل مضارع والهاء مفعول به.
«اللَّهُ» لفظ الجلالة فاعل والجملة خبر المبتدأ. «وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» الجملة معطوفة على جملة يلعنهم السابقة. وجملة أولئك الاسمية خبر إن.
مشكل إعراب القرآن للخراط
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ }
الجار "من البينات" متعلق بحال من "ما". و "ما" مصدرية، والمصدر المؤول مضاف إليه أي: من بعد تبيينه. وجملة "أولئك يلعنهم" خبر "إنَّ".