وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِ‍ۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ

إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش

[سورة البقرة (2) : الآيات 131 الى 132]
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)

الإعراب:
(إِذْ) إن أضفنا الآيات بعضها الى بعض فالظرف متعلق باصطفيناه والأسهل أن نجري على النسق المتبع في القرآن وقد ألفناه فيها وهو تعليقه بمضمر أي اذكر (قالَ) الجملة الفعلية في محل جر باضافة الظرف إليها (لَهُ) الجار والمجرور متعلقان بقال (رَبُّهُ) فاعل قال والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة (أَسْلِمْ) فعل أمر وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول (قالَ) فعل ماض وفاعله ضمير مستتر تقديره هو (أَسْلَمْتُ) الجملة الفعلية في محل نصب مقول القول (لِرَبِّ) جار ومجرور متعلقان بأسلمت (الْعالَمِينَ) مضاف اليه وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم (وَوَصَّى) الواو عاطفة ووصى فعل ماض (بِها) الجار والمجرور متعلقان بوصي (إِبْراهِيمُ) فاعل وصى (بَنِيهِ) مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة (وَيَعْقُوبُ) معطوف على ابراهيم داخل في حكمه (يا بَنِيَّ) منادى مضاف على إضمار القول أي قائلين فالجملة حالية (إِنَّ اللَّهَ) إن واسمها (اصْطَفى) الجملة الفعلية في محل رفع خبر إن وفاعل اصطفى مستتر تقديره هو (لَكُمُ) الجار والمجرور متعلقان باصطفى (الدِّينَ) مفعول به (فَلا تَمُوتُنَّ) الفاء الفصيحة وسيأتي معناها أي إذا عرفتم هذا ولا ناهية وتموتن: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه حذف النون والنون المشددة للتوكيد وواو الجماعة المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل والأصل تموتوننّ (إِلَّا) أداة حصر (وَأَنْتُمْ) الواو حالية وأنتم ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ (مُسْلِمُونَ) خبر والجملة الاسمية في محل نصب حال.

الفوائد:
1- يلحق بجمع المذكر السالم في إعرابه ما ورد عن العرب مجموعا جمع المذكر السالم غير مستوف لشروطه نحو: أولي وأهلين وعالمين ووابلين وأرضين وبنين وعشرين الى تسعين وسنين وبابه وهو كل ثلاثي حذفت لامه وعوّض عنها هاء التأنيث نحو عضين وعزين وثبين ومئين وظبين ونحوها ومفردها سنة وعضة وعزة وثبة ومائة وظبة ويلحق به ما سمّي من الأسماء المجموعة جمع المذكر السالم مثل عليّين وسجّين وغيرها.
2- كيفية اجراء الفعل المؤكد الذي تتوالى فيه النونات إذا جزم أن يقال فيه: أصل تموتنّ تموتوننّ النون الأولى علامة الرفع والثانية والثالثة نون التوكيد الثقيلة فاجتمعت ثلاثة أمثال فحذفت نون الرفع للجزم لأن نون التوكيد الثقيلة أولى بالبقاء باعتبارها دالة على معنى مستقبل فالتقى ساكنان: الواو والنون الأولى المدغمة فحذفت الواو لالتقاء الساكنين وبقيت الضمة تدل عليها وهكذا كل ما جاء من نظائره.

البلاغة:
في النهي عن الموت أو الأمر به نكتة بلاغية رائعة فهو في حدّ ذاته ليس بمنهي عنه ولا مأمور به لأنه من الأمور التي لا تدخل في الارادة الانسانية ولكنه نهى عنه هنا لإظهار أن الموت على خلاف الإسلام هو موت لا خير فيه وانه ليس بموت السعداء وكذلك الأمر بالموت تقول مت وأنت شهيد لا تريد الأمر بموته ولكن مت الميتة التي تورثك خلود الذكر في الدنيا والجنة والحياة الراغدة في الآخرة وقد تشبث أبو الطيب المتنبي بهذه النكتة فقال:
عش عزيزا أو مت وأنت كريم ... بين طعن القنا وخفق البنود

التبيان في إعراب القرآن

قَالَ تَعَالَى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَوَصَّى بِهَا) : يُقْرَأُ بِالتَّشْدِيدِ [مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ] ، وَأَوْصَى بِالْأَلِفِ ; وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالضَّمِيرُ فِي بِهَا يَعُودُ إِلَى الْمِلَّةِ.
(وَيَعْقُوبُ) : مَعْطُوفٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وَأَوْصَى يَعْقُوبُ بَنِيهِ ; لِأَنَّ يَعْقُوبَ أَوْصَى بَنِيهِ أَيْضًا كَمَا أَوْصَى إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي، وَالتَّقْدِيرُ: قَالَ: يَا بَنِيَّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ قَالَ: يَا بَنِيَّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَعْقُوبُ. وَالْأَلِفُ فِي: (اصْطَفَى) : بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ بَدَلٍ مِنْ وَاوٍ، وَأَصْلُهُ مِنَ الصَّفْوَةِ، وَالْوَاوُ إِذَا وَقَعَتْ رَابِعًا فَصَاعِدًا قُلِبَتْ يَاءً، وَلِهَذَا تُمَالُ الْأَلِفُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ.
(فَلَا تَمُوتُنَّ) : النَّهْيُ فِي اللَّفْظِ عَنِ الْمَوْتِ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَالتَّقْدِيرُ: لَا تُفَارِقُوا الْإِسْلَامَ حَتَّى تَمُوتُوا: وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالْعَامِلُ الْفِعْلُ قَبْلَ إِلَّا.

الجدول في إعراب القرآن

[سورة البقرة (2) : آية 132]
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)
الإعراب:
(الواو) استئنافيّة (وصّى) فعل ماض مبنيّ على الفتحة المقدّرة على الألف (الباء) حرف جرّ و (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق ب (وصّى) ، (إبراهيم) فاعل مرفوع (بني) مفعول به منصوب وعلامة النصب الياء فهو ملحق بجمع المذكّر السالم و (الهاء) مضاف إليه (الواو) عاطفة (يعقوب) معطوف على إبراهيم مرفوع مثله (يا) أداة نداء (بنيّ) منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الياء.. و (الياء) الثانية ضمير متصل في محلّ جرّ مضاف إليه (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد (الله) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوب (اصطفى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (اللام) حرف جرّ و (كم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بفعل اصطفى (الدين) مفعول به منصوب (الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب ، (لا) ناهية جازمة (تموتنّ) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون فهو من الأفعال الخمسة والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين فاعل.. و (النون) نون التوكيد الثقيلة (إلا) أداة حصر (الواو) حاليّة (أنتم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ (مسلمون) خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو.
جملة: «وصّى بها إبراهيم..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة النداء «وجوابها..» في محلّ نصب مقول القول لفعل قال المحذوف .
وجملة: «إنّ الله اصطفى» لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «اصطفى لكم..» في محلّ رفع خبر (إنّ) .
وجملة: «لا تموتنّ» لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: «أنتم مسلمون» في محلّ نصب حال.
الصرف:
(وصّى) ، فيه إعلال بالقلب أصله وصّي لأن مصدر المجرّد منه وصاية، فلمّا جاءت الياء متحرّكة بعد فتح قلبت ألفا، وزنه فعّل. (اصطفى) ، فيه إبدال وإعلال، كالآية السابقة- 130- (تموتنّ) ، حذف منه واو الجماعة لمجيئها ساكنة قبل نون التوكيد الثقيلة، أصله تموتونّ، والنون الأولى من نون التوكيد ساكنة لمناسبة التضعيف، ولهذا حذفت واو الجماعة.
البلاغة
في قوله تعالى فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ نكتة بلاغية رائعة.
فالموت ليس في قدرة الإنسان حتّى ينهى عنه. ولكن في الحقيقة النهي إنما هو عن عدم إسلامهم حال موتهم، كقولك، لا تصلّ إلّا وأنت خاشع، إذ النهي فيه إنما هو عن ترك الخشوع حال صلاته، لا عن الصلاة.
والنكتة في التعبير بذلك، إظهار أن موتهم لا على الإسلام موت لا خير فيه، وأن الصلاة التي لا خشوع فيها ك «لا صلاة» .

النحاس

{وَوَصَّىٰ..} [132] فيه معنى التكثير واِذا كان كذلك بَعُدَت القراءة به وأحسن من هذا أن يكون وصّى وأوصَى بمعنى واحد مثل كرّمنا وأكْرمنَا {إِبْرَاهِيمُ} رفع بفعله {وَيَعْقُوبُ} عطف عليه {يَابَنِيَّ} نداء مضاف، وهذه ياء النفس لا يجوز ههنا إِلاّ فتحها لأنها لو سكنتْ لالتقى ساكنان ومثله "بِمُصْرِخِيَّ" {إِنَّ ٱللَّهَ} كسرتِ "إنّ" لأن أوصَى وقال 7/ ب واحد، وقيل: على اضمار القول. {فَلاَ تَمُوتُنَّ} في موضع جزم بالنهي أكّدَ بالنون الثقيلة وحُذِفَت الواو لالتقاء الساكنين {إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ} ابتداء وخبر في موضع الحال.

دعاس

وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)
«وَوَصَّى» الواو عاطفة وصى فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. «بِها» متعلقان بوصي. «إِبْراهِيمُ» فاعل. «بَنِيهِ» مفعول به منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم ، والهاء في محل جر بالإضافة. «وَيَعْقُوبُ» معطوف على ابراهيم. «يا بَنِيَّ» يا أداة نداء ، بني منادى مضاف منصوب بالياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وحذفت النون للإضافة والياء في محل جر بالإضافة. «إِنَّ» حرف مشبه بالفعل. «اللَّهَ» لفظ الجلالة اسم إن. «اصْطَفى » فعل ماض والجملة خبر إن. «لَكُمُ» متعلقان باصطفى. «الدِّينَ» مفعول به ، وجملة «إِنَّ اللَّهَ ...» مقول القول المحذوف على لسان ابراهيم. «فَلا» الفاء الفصيحة لا ناهية جازمة. «تَمُوتُنَّ» فعل مضارع مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو المحذوفة فاعل وأصلها تموتونن ، ونون التوكيد الثقيلة لا محل لها من الإعراب.
«إِلَّا» أداة حصر. «وَأَنْتُمْ» الواو حالية أنتم ضمير منفصل مبتدأ. «مُسْلِمُونَ» خبر مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم ، والجملة حالية ، وجملة تموتن جواب شرط مقدر.

مشكل إعراب القرآن للخراط

{ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } جملة "يا بني إن الله" تفسيرية للوصية. قوله "فلا تموتن": الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، أي: إن كان الأمر كذلك فلا و "لا" ناهية جازمة، والفعل مجزوم بحذف النون لأنه من الأفعال الخمسة، وثبتت النون الثانية للتوكيد، ولما حذفت نون الرفع التقى ساكنان: الواو والنون الأولى المدغمة، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، وبقيت الضمة تدل عليها، ولم يُبْنَ الفعل على الرغم من لحاق نون التوكيد به؛ لأنها لم تباشره لوجود الفاصل المقدر وهو الواو. جملة "وأنتم مسلمون" حالية من الواو المقدرة في "تموتن".