وَمَن يَرۡغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَقَدِ ٱصۡطَفَيۡنَٰهُ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَإِنَّهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ

إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش

[سورة البقرة (2) : آية 130]
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)

اللغة:
رغب عن الشيء: مال عنه وكرهه. ورغب فيه: أراده ومال اليه وأحبه. السفه: الخفة والمراد به هنا امتهان النفس.

الإعراب:
(وَمَنْ يَرْغَبُ) الواو استئنافية ومن: اسم استفهام معناه النفي والإنكار في محل رفع مبتدأ وجملة يرغب خبره (عَنْ مِلَّةِ) الجار والمجرور متعلقان بيرغب (إِبْراهِيمَ) مضاف اليه وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة (إِلَّا) أداة حصر (مَنْ) اسم موصول في محل رفع بدل من الضمير في يرغب لأن الكلام غير موجب أو نصب على الاستثناء (سَفِهَ نَفْسَهُ) سفه فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول ونفسه منصوب بنزع الخافض أي سفه في نفسه وقيل: إن سفه يتعدى بنفسه كما حكى ثعلب والمبرّد فهو مفعول سفه يقال سفه نفسه: أي امتهنها وقيل: هي نصب على التمييز ولكن فيه تعريف التمييز وهو لا يكون إلا شذوذا فلا يجوز حمل القرآن عليه (وَلَقَدِ) الواو استئنافية واللام جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق (اصْطَفَيْناهُ) فعل ماض وفاعل ومفعول به (فِي الدُّنْيا) الجار والمجرور متعلقان باصطفيناه (وَإِنَّهُ) الواو حالية وان واسمها (فِي الْآخِرَةِ) الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال (لَمِنَ الصَّالِحِينَ) اللام المزحلقة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر ان.

التبيان في إعراب القرآن

قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يَرْغَبُ) : مَنِ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ ; وَلِذَلِكَ جَاءَتْ إِلَّا بَعْدَهَا ; لِأَنَّ الْمُنْكَرَ مَنْفِيٌّ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَيَرْغَبُ الْخَبَرُ، وَفِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ (إِلَّا مَنْ) مَنْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَرْغَبُ. وَمَنْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ أَوْ بِمَعْنَى الَّذِي وَ (نَفْسَهُ) : مَفْعُولُ سَفِهَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ جَهِلَ تَقْدِيرُهُ: إِلَّا مَنْ جَهِلَ خَلْقَ نَفْسِهِ أَوْ مَصِيرَهَا، وَقِيلَ التَّقْدِيرُ سَفِهَ بِالتَّشْدِيدِ، وَقِيلَ التَّقْدِيرُ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ تَمْيِيزٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِكَوْنِهِ مَعْرِفَةً.
(فِي الْآخِرَةِ) : مُتَعَلِّقٌ بِالصَّالِحِينَ ; أَيْ وَإِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ فِي الْآخِرَةِ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ عَلَى هَذَا لِلتَّعْرِيفِ، لَا بِمَعْنَى الَّذِي ; لِأَنَّكَ لَوْ جَعَلْتَهَا بِمَعْنَى الَّذِي لَقَدَّمْتَ الصِّلَةَ عَلَى الْمَوْصُولِ. وَقِيلَ هِيَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَفِي مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُبَيِّنُهُ «الصَّالِحِينَ» تَقْدِيرُهُ إِنَّهُ لَصَالِحٌ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا يُسَمَّى التَّبْيِينُ وَنَظِيرُهُ.
رَبَّيْتُهُ حَتَّى إِذَا تَمَعْدَدَا كَانَ جَزَائِي بِالْعَصَا أَنْ أُجْلَدَا تَقْدِيرُهُ: كَانَ جَزَائِي الْجَلْدُ بِالْعَصَا، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ.

الجدول في إعراب القرآن

[سورة البقرة (2) : آية 130]
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)
الإعراب:
(الواو) استئنافيّة (من) اسم استفهام مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ وقد تضمّن معنى النفي والإنكار (يرغب) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (عن ملّة) جارّ ومجرور متعلّق ب (يرغب) ، (إبراهيم) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة (إلا) أداة استثناء (من) اسم موصول في محلّ رفع بدل من فاعل يرغب ، (سفه) فعل ماض والفاعل هو (نفس) مفعول به منصوب و (الهاء) مضاف إليه. (الواو) استئنافيّة (اللام) واقعة في جواب قسم مقدّر (قد) حرف تحقيق (اصطفينا) فعل ماض مع فاعله و (الهاء) ضمير مفعول به (في الدنيا) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من الهاء وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف (الواو) عاطفة (إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد و (الهاء) ضمير اسم أنّ (في الآخرة) جارّ ومجرور متعلّق بالصالحين (اللام) لام القسم تفيد التوكيد (من الصالحين) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر إنّ.
جملة: «من يرغب..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يرغب عن ملّة..» في محلّ رفع خبر المبتدأ (من) .
وجملة: «سفه..» لا محلّ لها صلة الموصول.
وجملة: «اصطفيناه..» لا محلّ لها جواب قسم مقدّر.
وجملة: «إنّه في الآخرة..» لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب القسم.
الصرف:
(اصطفيناه) ، فيه إبدال تاء الافتعال طاء لمجيئها بعد الصاد، وأصله اصتفيناه، وفيه إعلال بالقلب قلبت الألف ياء- لأنها رابعة- بإسناد الفعل إلى ضمير المتكلم.
الفوائد
1- فعل «رغب» له معنيان متغايران الأول أراده وأحبه «رغب فيه ورغب به» والثاني: كره الشيء وزهد به ومثاله «رغب عنه، ورغب عن ملة إبراهيم» .

النحاس

{وَمَن..} [130] ابتداء وهو اسم تامٌ في الاستفهام والمُجازاةِ {يَرْغَبُ} فعلٌ مستقبَلٌ في موضع الخبر وهو تقرير وتوبيخ وقعَ فيه معنى النفي أي ما يرغب {عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} وقول الفراء: أنّ {نَفْسَهُ} مثل: ضقتُ بِهِ ذرعاً محال عند البصريين لأنه جَعَل المعرفة منصوبةً على التمييز. قال سيبويه: وذَكَرَ الحال واِنَّها مثلُ التمييز وهذا لا يكون اِلاّ نكرة يعني ما كان منصوباً على الحال كما أنّ ذلك لا يكونُ اِلاّ نكرةً يعني التمييز. قال أبو جعفر: فان جئت بمعرفةٍ زال معنى التمييز لأنك لا تبِيّنُ بها ما كان من جنسها. قال الفراء: ومثله: بَطِرَتْ مَعِيشَتَها ولا يجوز عنده: نفسَه سَفِهَ زيدٌ ولا معِيشَتَها بَطِرَتْ القرية، وقال الكسائي: وهو أحد قولي الأخفش: المعنى اِلاّ من سَفِهَ في نفسه ويجيزان التقديم. قال الاخفش: ومثله {عُقْدة النِّكاحِ} أي على عقدة النكاح. قال أبو جعفر: وقد تَقصَّينَاهُ في الكتاب الذي قبل هذا. {وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ} يُقالُ: كيف جاز تقديم في الآخرة وهو داخل في الصلة؟ فالجواب أنه ليس التقدير وأنه لمن الصالحين في الآخرة فتكون الصلة قد تَقدمت ولأهل العربية فيه ثلاثة أقوال: منها أنْ يكونَ المعنى واِنه صالحٌ في الآخرة ثم حذف، وقيل في الآخرة متعلقٌ بمصدر محذوف أي صلاحه في الآخرة، والقول الثالث أن الصالحين ليس بمعنى الذينَ صلحوا ولكنه اسمٌ قائمٌ بنفسه كما يقال: الرجل والغلام. الأصل في {ٱصْطَفَيْنَاهُ} اصتفيناه أبدلَ من التاء طاء لأن الطاء مُطبقَةٌ كالصاد وهي من مخرج التاء ولم يجز أن تُدغَم الصاد لانها لا تدغم اِلاّ في اختيها الزاي والسين لما فيهن من الصفير ولكن يجوز أن تُدغم التاء فيها في غير القرآن فتقول: اصَّفَينَاه قَبْلُ.

دعاس

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)
«وَمَنْ» الواو استئنافية ، من اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. «يَرْغَبُ» فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر تقديره هو. «عَنْ مِلَّةِ» متعلقان بالفعل يرغب. «إِبْراهِيمَ» مضاف إليه مجرور بالفتحة للعلمية والعجمة والجملة في محل رفع خبر من. «إِلَّا» أداة حصر. «مَنْ» اسم موصول مبني على السكون في محل رفع بدل من الضمير المستتر في يرغب. «سَفِهَ» فعل ماض والفاعل هو يعود إلى من. «نَفْسَهُ» مفعول به وقيل منصوب بنزع الخافض أي سفه من نفسه. والجملة صلة الموصول. «وَلَقَدِ» الواو استئنافية اللام للقسم. قد حرف تحقيق. «اصْطَفَيْناهُ» فعل ماض مبني على السكون ، ونا فاعله والهاء مفعوله.
«فِي الدُّنْيا» متعلقان بالفعل قبلهما. والجملة واقعة جوابا للقسم. «وَإِنَّهُ» الواو حالية. إن حرف مشبه بالفعل والهاء اسمها. «فِي الْآخِرَةِ» متعلقان بالصالحين. «لَمِنَ الصَّالِحِينَ» اللام لام المزحلقة من الصالحين متعلقان بمحذوف خبر إن والتقدير إنه معدود من الصالحين في الآخرة. وجملة «وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ ...» حالية.

مشكل إعراب القرآن للخراط

{ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } جملة "ومن يرغب" مستأنفة، و"مَن" اسم استفهام مبتدأ، وجملة "يرغب" خبر، و "مَن" اسم موصول بدل من الضمير في "يرغب"، و "نفسه" مفعول به، لأنَّ "سفه نفسه" يعني امتهنها، وجملة "لقد اصطفيناه" جواب قسم مقدر، والجار "في الآخرة" متعلق بالصالحين، ويُغتفر في المجرور ما لا يُغتفر في غيره، وجملة "وإنه في الآخرة ..." معطوفة على جواب القسم لا محل لها.