وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ

إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش

[سورة البقرة (2) : الآيات 11 الى 13]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)

اللغة:
(الفساد) : خروج الشيء عن حال استقامته ونقيضه الصلاح، والفساد في الأرض: تهييج الحروب، وإثارة الفتن، والإخلال بمعايش الناس.
(السُّفَهاءُ) : جمع سفيه وهو المنسوب للسّفه والسّفه: خفّة رأي وسخافة يقتضيهما نقصان العقل، ويقابله الحلم يقال سفه بكسر الفاء وضمّها.

الإعراب:
(وَإِذا) الواو استئنافية والجملة بعدها مستأنفة لا محل لها ويجوز أن تكون الواو عاطفة والجملة بعدها معطوفة على جملة يكذبون فتكون في موضع نصب عطفا على خبر كان والمعطوف على الخبر خبر فهي بهذه المثابة جزء من السبب الذي استحقوا به العذاب الأليم وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه (قِيلَ) فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه تقديره يعود على الله تعالى وفي هذا التعبير بحث هام سيأتي في باب الفوائد وجملة قيل في محل جرّ بإضافة الظرف إليها (لَهُمْ) الجار والمجرور متعلقان بقيل (لا) الناهية الجازمة (تُفْسِدُوا) فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو فاعل (فِي الْأَرْضِ) الجار والمجرور متعلقان بتفسدوا (قالُوا) فعل وفاعل والجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم (إِنَّما) كافة ومكفوفة (نَحْنُ) مبتدأ (مُصْلِحُونَ) خبر نحن مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والجملة في محل نصب مقول القول (أَلا) حرف تنبيه يستفتح بها الكلام (إِنَّهُمْ) إن حرف مشبه بالفعل والهاء اسمها (هُمُ) ضمير فصل أو عماد لا محل له من الإعراب ولك أن تعرب هم مبتدأ (الْمُفْسِدُونَ) خبره والجملة الاسمية في محل رفع خبر إن (وَلكِنْ) الواو عاطفة ولكن مخففة من الثقيلة لمجرد الاستدراك (لا) نافية (يَشْعُرُونَ) فعل مضارع مرفوع والواو فاعل والجملة معطوفة على ما تقدم (وَإِذا قِيلَ) الواو استئنافية أو عاطفة وقد تقدم الكلام عنها وجملة فيل الفعلية في محل جر بإضافة الظرف إليها (لَهُمْ) الجار والمجرور متعلقان بقيل وجملة قيل في محل جر بإضافة الظرف إليها (آمِنُوا) فعل أمر مبني على حذف النون والواو والجملة لا محل لها لأنها مفسرة ونائب الفاعل مصدر وهو القول وقد أضمر لأن الجملة بعده تفسرة والتقدير: وإذا قيل لهم قول هو آمنوا لأن الأمر والنهي قول وقد منع النحاة أن تكون الجملة قائمة مقام الفاعل لأن الجملة لا تكون فاعلا فلا تقوم مقامه (كَما) الجار والمجرور نعت لمصدر محذوف والتقدير آمنوا إيمانا كإيمان الناس، واختار سيبويه أن يكون في محل نصب على الحال سواء أكانت الكاف حرفا أم اسما بمعنى مثل وصاحب الحال هو المصدر المفهوم من الفعل المتقدم وما مصدرية (آمَنَ النَّاسُ) فعل وفاعله (قالُوا) فعل وفاعل وإذا متعلقة بقالوا والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم (أَنُؤْمِنُ) الهمزة للاستفهام الإنكاري ونؤمن فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن (كَما) تقدم إعرابها قريبا (آمَنَ السُّفَهاءُ) فعل وفاعل (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) تقدم إعراب نظير هذه الجملة قريبا.

البلاغة:
1- في الآية خروج الاستفهام من معناه الأصلي وهو طلب العلم إلى أغراض أخرى تفهم من مضمون الكلام وتفصيله في علم المعاني ومردّ ذلك الى الذوق السليم وقد صدق فولتير حيث يقول: «ذوقك أستاذك» .
2- التغاير: وهو فنّ يكاد يكون من المرقص فقد وردت في الفاصلة الأولى «لا يشعرون» ووردت في الفاصلة الثانية «لا يعلمون» لسرّ عجيب لا يدركه إلا الملهمون وتفصيل ذلك: أن أمر الديانة، والوقوف على أن المؤمنين هم على الحقّ وأما المنافقون فهم على الباطل، هو أمر يحتاج الى بعد نظر واستدلال حتى يكتسب الناظر العلم والمعرفة وأما النفاق وما فيه من البغي المؤدي الى اشتجار الفتنة، واستبحار الفساد في الأرض، فأمر دنيويّ مبنيّ على العادات، وهو معلوم عند الناس، بل هو بمثابة المحسوس عندهم فلذلك قال فيه:
لا يشعرون وأيضا فإنه لما ذكر السّفه في الآية الثانية وهو جهل مطبق كان ذكر العلم أكثر ملاءمة فقال: لا يعلمون وهذا من الدقائق فتنبّه له.

الفوائد:
1- نائب فاعل قيل: يقدره النحاة ضميرا لمصدره وجملة النهي مفسرة لذلك الظرف وقيل الظرف نائب الفاعل فالجملة في محل نصب واختلفوا في وقوع الجملة فاعلا أو نائب فاعل والوجه أن الجملة التي يراد بها لفظها يحكم لها بحكم المفردات ولهذا تقع مبتدأ نحو لا حول ولا قوة كنز من كنوز الجنة وفي المثل: زعموا مطيّة الكذب ولهذا لم يحتج الخبر الى رابط.
2- (أَلا) قيل: هي حرف بسيط يفتتح به الكلام وينبّه على أن ما بعده متحقّق لا محالة، وقيل: هي حرف مركب من همزة الاستفهام وحرف النفي، والاستفهام إذا دخل على النفي أفاد تحقيقا وأختها (أما) التي هي من مقدمات اليمين على حدّ قوله:
أما والذي بكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر

التبيان في إعراب القرآن

قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا) : الْقَائِمُ مَقَامَ الْمَفْعُولِ هُوَ الْقَوْلُ وَيُفَسِّرُهُ آمِنُوا لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ قَوْلٌ.
قَوْلُهُ: (كَمَا آمَنَ النَّاسُ) الْكَافُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ إِيمَانًا مِثْلَ إِيمَانِ النَّاسِ ; وَمِثْلُهُ: كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ.
قَوْلُهُ: (السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ) فِي هَاتَيْنِ الْهَمْزَتَيْنِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: تَحْقِيقُهُمَا وَهُوَ الْأَصْلُ.
وَالثَّانِي: تَحْقِيقُ الْأُولَى، وَقَلْبُ الثَّانِيَةِ وَاوًا خَالِصَةً فِرَارًا مِنْ تَوَالِي الْهَمْزَتَيْنِ، وَجُعِلَتِ الثَّانِيَةُ وَاوًا ; لِانْضِمَامِ الْأُولَى، وَالثَّالِثُ: تَلْيِينُ الْأُولَى، وَهُوَ جَعْلُهَا بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَبَيْنَ الْوَاوِ، وَتَحْقِيقُ الثَّانِيَةِ. وَالرَّابِعُ: كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ الثَّانِيَةَ وَاوٌ.
وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْوَاوِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ لَهَا مِنَ الْأَلِفِ ; وَالْأَلِفُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الضَّمَّةِ وَالْكَسْرَةِ وَأَجَازَهُ قَوْمٌ.

الجدول في إعراب القرآن

[سورة البقرة (2) : آية 13]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)
الإعراب:
(وإذا قيل لهم) سبق إعرابها في الآية رقم (11) . (آمنوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون و (الواو) فاعل و (الكاف) حرف جر (ما) مصدرية (آمن) فعل ماض (الناس) فاعل مرفوع.
والمصدر المؤوّل من (ما) والفعل في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق أي آمنوا إيمانا كإيمان الناس.
(قالوا) فعل ماض وفاعله (الهمزة) للاستفهام الإنكاري (نؤمن) فعل مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن (كما آمن السفهاء) تعرب مثل: كما آمن الناس. (ألا إنّهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) تعرب كالآية (12) مفردات وجملا. جملة «قيل ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «آمنوا ... » في محلّ رفع نائب فاعل .
وجملة: «قالوا» لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «نؤمن ... » في محلّ نصب مقول القول.
الصرف:
(السفهاء) ، جمع سفيه، صفة مشبّهة من فعل سفه يسفه باب فرح، وزنه فعيل، ووزن سفهاء فعلاء بضمّ ففتح.
البلاغة
1- ونلاحظ في الآية الكريمة فن التغاير..
وهو في قوله تعالى لا يَشْعُرُونَ وقوله تعالى لا يَعْلَمُونَ وتفصيل ذلك:
أن أمر الديانة والوقوف على أن المؤمنين على الحق، والمنافقون على الباطل يحتاج الى نظر واستدلال حتى يكتسب الناظر المعرفة. وأما النفاق وما فيه من البغي المؤدي إلى الفتنة والفساد في الأرض فأمر دنيوي مبني على العادات معلوم عند الناس، خصوصا عند العرب في جاهليتهم وما كان قائما بينهم من التناصر والتحارب والتحازب، فهو كالمحسوس المشاهد ولذلك قال «لا يَشْعُرُونَ» ولأنه ذكر السفه وهو الجهل فكان ذكر العلم معه أحسن طباقا له ولذلك قال «لا يَعْلَمُونَ» .
2- الكناية: في قوله تعالى أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ.
الشرع ينظر للظاهر والله عنده علم السرائر، ولهذا سكت المؤمنون وردّ الله سبحانه عليهم ما كانوا يسرون فالكلام كناية عن كمال إيمان المؤمنين ولكن في قلب تلك الكناية نكاية فهو على شاكلة قولهم «اسمع غير مسمع» في احتمال الخير والشر ولذلك نهى عنه.
3- في قوله تعالى أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ.
خروج الاستفهام من معناه الأصلي وهو طلب العلم الى أغراض أخرى تفهم من مضمون الكلام. حيث أن معنى الاستفهام هنا الإنكار.

النحاس

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ..} [13] ألف قطع لأنك تقول: يؤمن {كَمَآ آمَنَ ٱلنَّاسُ} الكاف في موضع نصب لأنها نعت لمصدر محذوف أي إيماناً كإيمان الناس {قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ كَمَآ آمَنَ ٱلسُّفَهَآءُ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ} فيه أربعة أقوال أجودها أنْ تُخَفِّف الهمزة الثانية فتقلبها واواً خالصة وتُحَقِق الأولى فتقول {ٱلسُّفَهَآءُ وَلاَ} وهي قراءة أهل المدينة والمعروف من قراءة أبي عمرو، وإنْ شئت خَفّفتهما جميعاً فجعلتَ الأولى بين الهمزة والألف وجعلت الثانية واواً خالصة، وإن شئت خَفّفت الأولى وحَقّق الثانية وإن شئت حَقّقتَها جميعاً.

دعاس

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)
«وَإِذا قِيلَ لَهُمْ» تقدم الكلام عليها. «آمِنُوا» فعل أمر مبني على حذف النون لاتصاله بواو الجماعة ، والواو فاعل ، والجملة في محل نصب مقول القول. «كَما» الكاف حرف جر ، ما مصدرية. «آمَنَ» فعل ماض ، وما المصدرية والفعل في تأويل مصدر في محل جر بالكاف ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف واقع حالا أو مفعولا مطلقا ، والتقدير آمنوا إيمانا كإيمان الناس ... «النَّاسُ» فاعل مرفوع ، «قالُوا» فعل ماض وفاعل ، والجملة لا محل لها جواب شرط غير جازم. «أَنُؤْمِنُ» الهمزة للاستفهام ، نؤمن فعل مضارع والفاعل نحن «كَما» سبق إعرابها. «آمَنَ السُّفَهاءُ» فعل ماض وفاعله. «أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ» تقدم إعرابها في الآية السابقة. وجملة أنؤمن في محل نصب مقول القول.

مشكل إعراب القرآن للخراط

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ } قوله "آمنوا كما آمن الناس": الكاف اسم بمعنى مثل في محل نصب نائب مفعول مطلق؛ لأنه نعت لمصدر محذوف، و "ما" مصدرية أي: آمنوا إيمانا مثل إيمان الناس، والمصدر المؤول من "ما" وما بعدها في محل جر مضاف إليه. ومثلها "كما آمن السفهاء". وجملة "ولكن لا يعلمون" معطوفة على جملة "إنهم هم السفهاء".