فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ

إعراب القرآن وبيانه لمحي الدين درويش

[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 10]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10)

اللغة:
(النَّاسِ) اسم جمع لا واحد له من لفظه ومادّته عند سيبويه والفراء همزة ونون وسين، وحذفت همزته شذوذا وأصله أناس وقد نطق القرآن بهذا الأصل قال تعالى: «يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم» ، وذهب الكسائيّ الى أن مادته نون وواو وسين مشتقّ من النّوس وهو الحركة يقال: ناس ينوس نوسا والنّوس تذبذب الشيء في الهواء ومنه نوس القرط في الأذن وسمّي أبو نواس بذلك لأن ذؤابتين كاتنا تنوسان عند أذنيه واسمه الحقيقي الحسن بن هانيء، وإنما أطلنا في هذا البحث لأن بعض المعاجم الحديثة خلط في أصله فأورده في مادة أنس وبعضها أورده في مادة نوس وأضاعوا بذلك الطالب والمراجع في متاهات لا منافذ منها.
(يُخادِعُونَ) الخداع في الأصل: الإخفاء ومنه الأخدعان وهما عرقان مستبطنان في العنق ومنه أيضا المخدع وهو داخل البيت ثم أطلق على اظهار غير ما في النفس. (يَشْعُرُونَ) الشعور: ادراك الشيء من وجه يدقّ ويخفى وهو مشتق من الشعر لدقته، وقيل هو الإدراك بالحاسة فهو مشتقّ من الشعّار وهو ثوب يلي الجسد ومشاعر الإنسان: حواسّه وشعر بالأمر من بابيّ نصر وكرم: علم به وفطن له، ومنه يسمى الشاعر شاعرا لفطنته ودقة معرفته. والتحقيق أنّ الشعور إدراك ما دقّ من حسّيّ وعقليّ.
(مَرَضٌ) : المرض: مصدر مرض ويطلق في اللغة على الضّعف والفتور وقالوا: المرض في القلب: الفتور عن الحق، وفي البدن فتور الأعضاء، وفي العين فتور النظر وهو جميل يتغنّى به الشعراء قال:
مرضي من مريضة الأجفان ... علّلاني بذكرها علّلاني
ويطلق المرض فيراد به الظّلمة قال:
في ليلة مرضت من كلّ ناحية ... فما يحس بها نجم ولا قمر

الإعراب:
(وَمِنَ النَّاسِ) الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لذكر المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم فقد افتتح سبحانه، بذكر المتقين ثم ثنّى بالكافرين ظاهرا وباطنا، وثلّث بالمنافقين، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم (مِنَ) اسم موصول في محل رفع مبتدأ مؤخّر ويجوز أن تكون من نكرة موصوفة في محل رفع مبتدأ مؤخر كأنه قيل: ومن الناس ناس وسيأتي بحثها (يَقُولُ) فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر فيه تقديره هو والجملة الفعلية لا محل لها من الإعراب صلة لمن إذا كانت موصولة وصفة لها إذا كانت نكرة موصوفة (آمَنَّا) فعل وفاعل والجملة الفعلية في محل نصب مقول للقول (بِاللَّهِ) الجار والمجرور متعلقان بآمنا (وَبِالْيَوْمِ) عطف على بالله (الْآخِرِ) نعت لليوم (وَما) الواو حاليّة وما نافية حجازية تعمل عمل ليس (هُمْ) ضمير منفصل في محل رفع اسم ما (بِمُؤْمِنِينَ) الباء حرف جر زائد للتوكيد لأنه ليس في القرآن حرف جر زائد ولكنه الاصطلاح النحوي جرى على ذلك فهو عند البلاغيين حرف لا يستغنى عنه والجملة الاسمية في محل نصب على الحال (يُخادِعُونَ) فعل مضارع وعلامة رفعه ثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة والواو فاعل والجملة الفعلية مستأنفة كأنه قيل: لم يتظاهرون بالايمان؟ فقيل: يخادعون ويحتمل أن تكون حالية من الضمير المستكنّ في يقول، أي مخادعين الله والذين آمنوا (اللَّهَ) مفعول به ليخادعون (وَالَّذِينَ) عطف على الله (آمَنُوا) الجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة الموصول (وَما) الواو حالية وما نافية (يَخْدَعُونَ) فعل مضارع مرفوع وعلامه رفعه ثبوت النون والواو فاعل (إِلَّا) أداة حصر (أَنْفُسَهُمْ) مفعول به والهاء ضمير متصل في محل جر بالاضافة (وَما) الواو عاطفة أو استئنافية وما نافية (يَشْعُرُونَ) فعل مضارع مرفوع والجملة عطف على جملة وما يخدعون أو مستأنفة (فِي قُلُوبِهِمْ) الجار والمجرور خبر مقدم (مَرَضٌ) مبتدأ مؤخر (فَزادَهُمُ) الفاء حرف عطف وزاد فعل ماض والهاء مفعول به والجملة عطف على ما تعلق به الخبر ويحتمل أن تكون الفاء استئنافية وجملة زادهم الله دعائية لا محل لها (اللَّهُ) فاعل زادهم (مَرَضاً) مفعول به ثان وزاد يستعمل لازما ومتعديا لاثنين ثانيهما غير الأول (وَلَهُمْ) الواو عاطفة أو استئنافية والجار والمجرور خبر مقدم (عَذابٌ) مبتدأ مؤخر (أَلِيمٌ) صفة لعذاب (بِما) الباء حرف جر للسببية وما اسم موصول في محل جر بالباء (كانُوا) كان واسمها (يَكْذِبُونَ) فعل مضارع وفاعل والجملة خبر كانوا وجملة كان واسمها وخبرها لا محل لها لأنها صلة الموصول ويجوز أن تكون مصدرية والمعنى على الأول بالذي يكذبونه وعلى الثاني بسبب كونهم يكذبون والجار والمجرور صفة ثانية لعذاب أو مصدر أي بسبب كونهم يكذبون.

البلاغة:
1- المشاكلة في قولهم يخادعون الله لأن المفاعلة تقتضي المشاركة في المعنى وقد أطلق عليه تعالى مقابلا لما ذكره من خداع المنافقين كمقابلة المكر بمكرهم ومن أمثلة هذا الفنّ في الشعر قول بعضهم:
قالوا: التمس شيئا فجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا
2- المجاز: في الخداع المنسوب اليه لتعاطيهم أفعال المخادع ظنا منهم أنهم يستطيعون ذلك لصدق نفيه ولذلك قال: وما يخدعون إلا أنفسهم.
3- الاستعارة التصريحية في قوله: في قلوبهم مرض حيث استعير المرض لما ران على قلوبهم من جهل وسوء عقيدة وما الى ذلك من ضروب الجهالات المؤدية الى المتالف.

الفوائد:
1- تأتي من نكرة موصوفة في موضع يختص بالنكرة كقول سويد بن أبي كاهل:
ربّ من أنضجت غيظا قلبه ... لو تمنّى لي موتا لم يطع 2- ما الحجازية هي العاملة عمل ليس وإنما سميت حجازية لأن التنزيل جاء بلغة أهل الحجاز وأحكامها مبسوطة في كتب النحو.

التبيان في إعراب القرآن

قَالَ تَعَالَى: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)) .
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَزَادَهُمُ اللَّهُ) زَادَ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا كَقَوْلِكَ زَادَ الْمَاءُ وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولَيْنِ كَقَوْلِكَ زِدْتُهُ دِرْهَمًا وَعَلَى هَذَا جَاءَ فِي الْآيَةِ. وَيَجُوزُ إِمَالَةُ الزَّايِ ; لِأَنَّهَا تُكْسَرُ فِي قَوْلِكَ زِدْتُهُ وَهَذَا يَجُوزُ فِيمَا عَيْنُهُ وَاوٌ مِثْلُ خَافَ إِلَّا أَنَّهُ أَحْسَنُ فِيمَا عَيْنُهُ يَاءٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلِيمٌ) هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٌ ; لِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِكَ آلَمَ فَهُوَ مُؤْلِمٌ، وَجَمْعُهُ أُلَمَاءُ وَإِلَامٌ، مِثْلُ شَرِيفٍ وَشُرَفَاءَ وَشِرَافٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) هُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٌ صِفَةٌ لِأَلِيمٍ، وَتَتَعَلَّقُ الْبَاءُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: أَلِيمٌ كَائِنٌ بِتَكْذِيبِهِمْ أَوْ مُسْتَحَقٌّ، وَمَا هُنَا مَصْدَرِيَّةٌ، وَصِلَتُهَا يَكْذِبُونَ، وَلَيْسَتْ كَانَ صِلَتَهَا ; لِأَنَّهَا النَّاقِصَةُ، وَلَا تُسْتَعْمَلُ مِنْهَا مَصْدَرٌ، وَيَكْذِبُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ خَبَرُ كَانَ، وَمَا الْمَصْدَرِيَّةُ حَرْفٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، وَاسْمٌ عِنْدَ الْأَخْفَشِ، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا يَعُودُ عَلَيْهَا مِنْ صِلَتِهَا شَيْءٌ.

الجدول في إعراب القرآن

[سورة البقرة (2) : آية 10]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10)
الإعراب:
(في قلوب) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم و (هم) ضمير متّصل في محل جرّ مضاف إليه (مرض) مبتدأ مؤخّر مرفوع. (الفاء) عاطفة (زاد) فعل ماض و (هم) ضمير متّصل في محلّ نصب مفعول به أوّل (الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع (مرضا) مفعول به ثان منصوب. (الواو) عاطفة (اللام) حرف جرّ (هم) ضمير متّصل في محلّ جر باللام متعلّقان بمحذوف خبر مقدّم (عذاب) مبتدأ مؤخّر مرفوع (أليم) نعت ل (عذاب) مرفوع مثله. (الباء) حرف جرّ سببيّ (ما) حرف مصدري . (كانوا) فعل ماض ناقص و (الواو) ضمير متّصل في محلّ رفع اسم كان (يكذبون) فعل مضارع مرفوع و (الواو) ضمير فاعل.
والمصدر المؤول من (ما) والفعل في محلّ جرّ بالباء متعلّق بمحذوف نعت ثان ل (عذاب) أي: عذاب أليم مستحقّ بكونهم كاذبين.
جملة: «في قلوبهم مرض ... » لا محلّ لها استئنافية بيانية مقرّرة لمعنى قولهم: «ما هم بمؤمنين..» أو تعليليّة.
وجملة: «زادهم الله مرضا ... » لا محل لها معطوفة على جملة في قلوبهم مرض.
وجملة: «لهم عذاب أليم ... » لا محل لها معطوفة على جملة زادهم الله مرضا.
وجملة: «يكذبون ... » في محلّ نصب خبر كانوا، وجملة (كانوا) لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي.
الصرف:
(مرض) ، مصدر سماعيّ لفعل مرض بمرض باب فرح وزنه فعل بفتحتين.
(زاد) ، فيه إعلال بالقلب أصله زيد مضارعه يزيد، جاءت الياء متحرّكة بعد فتح قلبت ألفا. وهو إما فعل لازم مثل زاد المال أو فعل متعدّ لمفعولين مثل زادك الله جلالا.
(أليم) ، صفة مشبّهة من ألم يألم باب فرح وزنه فعيل.
(كانوا) ، فيه إعلال بالقلب أصله كون مضارعه يكون، جاءت الواو متحركة بعد فتح قلبت ألفا. البلاغة
1- الاستعارة التصريحية في قوله تعالى فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فقد أستعير المرض هاهنا لما في قلوبهم من الجهل وسوء العقيدة وعداوة النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وغير ذلك من فنون الكفر المؤدي إلى الهلاك الروحاني والتنكير للدلالة على كونه نوعا مبهما غير ما يتعارفه الناس من الأمراض.

النحاس

{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ..} [10] رفع بالابتداء {فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً} مفعولان، وبعض أهل الحجاز يُمِيلُ "فَزَادَهُمُ" لِيَدُلّ على أنه من زِدْتُ {وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} جمع "أليم" إلاَمٌ وأُلَماءُ مثل كرِيم وكُرمَاء، ويقال: أَلآْم مثل أشراف {بِمَا كَانُوا} "ما" خفض بالباء {يَكْذِبُونَ} في موضع نصب على خبر كان.

دعاس

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10)
«فِي قُلُوبِهِمْ» جار ومجرور متعلقان بالخبر ، «مَرَضٌ» مبتدأ مؤخر ، «فَزادَهُمُ» الفاء عاطفة ، زاد فعل ماض والهاء مفعول به أول «اللَّهُ» لفظ الجلالة فاعل مرفوع. «مَرَضاً» مفعول به ثان ، والجملة معطوفة. «وَلَهُمْ» الواو عاطفة أو استئنافية ، لهم جار ومجرور وشبه الجملة خبر المبتدأ «عَذابٌ» مبتدأ مؤخر ، «أَلِيمٌ» صفة عذاب مرفوع والجملة معطوفة أو استئنافية.
«بِما» الباء حرف جر ، ما اسم موصول مبني على السكون في محل جر متعلقان بأليم ، ويجوز أن تعرب ما موصوفة أو مصدرية. «كانُوا» فعل ماض ناقص مبني على الضم ، والواو اسمها. «يَكْذِبُونَ» فعل مضارع ، والواو فاعل ، والجملة في محل نصب خبر كانوا ، وجملة كانوا يكذبون صلة الموصول.

مشكل إعراب القرآن للخراط

{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } جملة "فزادهم الله" معطوفة على جملة "في قلوبهم مرض" لا محل لها. "مرضا": مفعول به ثانٍ. جملة "ولهم عذاب" معطوفة على جملة "فزادهم الله" لا محل لها. جملة "كانوا" صلة الموصول الحرفي "ما" لا محل لها، والمصدر المؤول "بما كانوا" مجرور متعلق بالاستقرار المقدر في "لهم".